الجمعة، أغسطس ١٣، ٢٠١٠

أشعار ليست بديلة


وقائع ندوة "أشعار بديلة " فى آتيليه القاهرة
بقلم/ سمير الأمير
ذات صيف دعانى أحد الأصدقاء لحضور أمسية بآتيليه القاهرة بعنوان " أشعار بديلة" ولأنى مغرم بالبدائل قررت أن أكون فى القاهرة فى توقيت بداية الأمسية ضاربا عرض الحائط بمواعيد عملى ورزق الأولاد فقد منيت نفسى بأن أمسية الأشعار البديلة ستذودنى بجديد الشعر الذى يمكننى أن أحدث به أصدقائى المساكين من شعراء الأقاليم الذين لا يعرفون الفرق بين الشعر التقليدى وما يسمى "بالشعر البديل" إذ مازالوا مقتنعين أن الشعر هو الشعر وفقط وأنه مازال يحتفظ لنفسه بعالمه بعيداً عن المصطلحات التى هبطت عليه من سماء السياسة الملبدة بالكراهية والرغبة فى تصدر المشاهد واعتلاء منصات الخطابة و قبل الندوة لاحظت أن هناك حركة نشطة وجادة فى الآتيليه للمنظمين فعرفت أن الليلة ستكون إضافة حقيقية لفلاح يعشق الشعر مثلى وربما تساهم فى تغيير ذائقتى المتخلفة التى تصر على ربط الذاتى بالموضوعى والخاص بالعام، تلك الذائقة التى نمت وترعرعت فى أحضان قصائد بيرم التونسى وفؤاد حداد وصلاح جاهين بالإضافة إلى مواويل السواقى فى قريتنا التى حلت محلها" الأغانى البديلة" من نوع " العنب.. العنب" والبلح.. البلح"
المهم بدأت الأمسية باعتلاء ناقدين كبيرين للمنصة فأسرع المصورون بالتقاط الصور وساد الهرج والمرج الذى يسبق مثل تلك الأحداث الهامة من ضبط الميكروفونات وكاميرات المحطة التلفزيونية المحظوظة لكونها ستبث وقائع ندوة الأشعار البديلة حصرياً إذ لم أشاهد محطات أخرى ، كل ذلك أضفى أهمية بالغة على جو الندوة ولكنه أصابنى بقشعريرة من لم يتوقع أن يكون فى خلال ثوان معدودة فى قلب حدث بهذه الأهمية والكارثة أننى كنت أجلس فى الصف الأول وإلى جوار الشاعر الكبير الذى كان من المقرر سلفا الاحتفاء به فى الأمسية وتكريمه،
المهم بدأت الأمسية بحديث لناقد بدا أنه حريص على ألا يسمعه أحد فرغم وجودى فى الصف الأول لم ألتقط كلمة واحدة وباءت محاولات الجمهور لتنبيه سيادته إلى أهمية رفع صوته أو ابعاد الميكروفون عن فمه قليلاً بالفشل تلى ذلك بيان للدكتور سيد البحراوى عن الشعر الراهن جاء فيه أن الشعراء يتكاثرون فى تلك المرحلة من تاريخ المحروسة لدرجة أنه أصبح لدينا على الأقل شاعر فى كل قرية واضاف أن الشاعر الآن تحرر من كل المرجعيات وأصبح لا مرجعية له سوى ذاته فقلت فى نفسى لقد تلقيت أول صدمة عنيفة وقررت أن أحذف هذا الرأى من المضبطة ولا أنقله لشعراء الأقاليم الذين يصرون على أن يكنبوا أشعاراً لا ترى الذات الشاعرة منفصلة عن مشاكل المحيط الذى تحيا فيه إذ كيف تكون ذات شاعرة وهى تعيش لاهية عما يحدث فى العراق وفلسطين ؟، كيف تحيا الذات الشاعرة بمعزل عن أخبار حوادث الغرق وتراجع الفكر أمام سيطرة دعاة العصور الوسطى الذين يتربصون بكلمة " ابداع" بل يعتبرونها رجسا من عمل الشيطان، أعتقد أننا سنكون بهذا التوصيف أماما ذات "متبلدة" وشعراء لا يشعرون.
بعد ذلك تمت دعوة الشاعر الكبير المحتفى به للمنصة لكى يتلقى تكريماً " أخلاقيا"- أى والله -هكذا قال الأستاذ الذى قدمه- ربما يقصد " معنويا" وربما استخدم الكلمة كبديل- ألسنا فى ندوة بعنوان " أشعار بديلة؟"
ورغم أن الشاعر الكبير من الشعراء الذين تشملهم قرارات الاتهام بحب الوطن وبتسييس القصائد راح يتقبل الأمر بصدر رحب وكأنه اكتشف أن ما قيل لا يستحق الرد وانه لا ضرر سيحدث إن لم نناقش فكرة " الذات" التى طرحها الأستاذ الدكتور سيد البحراوى ولكن لأن الطبع يغلب التطبع وجدته بعد ذلك يشير إلى ما قاله الدكتور من طرف خفى متهما النقاد بالكسل فقدرت أنه يشعر بالحرج ولا يريد أن يحول الأمسية "البديلة" إلى " ليلة "منيلة بنيلة" فرفعت يدى طالباً الكلمة وقلت " لابد أن يكون للحاضرين رأى في الأفكار التى طرحت حول الشعر وإذ بالشاعر الكبير يصب جام غضبه علىّ وكأننى جئت كل تلك المسافة لكى أنتقم من شعراء العاصمة وراح يلوم نفسه أمام الجمهور لأنه دعانى إلى هذا اللقاء ولأنى غريب الدار وعملاً بمقولة أمى " يا غريب كن أديب" قررت أن أرجىء المناقشة مع الشاعر الكبير إلى ما بعد الندوة ، إذ أن منظمى اللقاء حددوا للشاعر عشرين دقيقة فقط للكلام وقصيدة واحدة وفى تقديرى أن هذا ما كان ينبغى أن يغضبه وليس رغبتى فى المناقشة وجعل الجمهور الذى كان جله من الشعراء طرفاً فى الحوار،
بعد ذلك بدء مقدم اللقاء فى تقديم الشعراء وكان من أغرب ماسمعته قوله أن كل شاعر سيشارك فى اللقاء هو بديل عن نفسه وليس بديلاً لأى شاعر آخر وحين عجز عقلى الريفى عن فهم ما قال أرجعت ذلك لكونى أعيش بعيداً عن العاصمة مما جعلنى أشعر اننى لا أختلف تماماً عن الكرسى الذى كنت أجلس عليه بل ربما كان الكرسى فى وضع أفضل لأنه من سكان القاهرة وقد أتيحت له فرص حضور ندوات بعدد شعر رأسى ، كان السيد مقدم اللقاء ينادى على شاعر بالاسم بينما كنت أسمع صوتاً يهمس خلفى ساخراً" غائب يا افندم" فينادى على آخر فيهمس الصوت الساخر مرة أخرى" غائب يا افندم" إلى أن يعثر على شاعر بديل فتنفرج أساريره والحقيقة أن الشعراء كانوا متحمسين جداً وحريصيين على الامساك بمكرفونين فى آن واحد – ميكرفون الآتيليه وميكرفون القناة التى كان من حظها تصوير اللقاء حصرياً وكانت معظم قصائدهم متفقة مع الرؤية النقدية التى طرحها الدكتور سيد البحراوى فى بداية اللقاء باستثناء قصيدة بالعامية للشاعر مصطفى الجارحى خرجت عن الذات كما تصورها السيد الدكتور الناقد لتذكرنا بهمومنا كمصريين وكعرب ، أما باقى القصائد فكانت تتحدث عن شوارع القاهرة الليلة ومواء القطط مما جعلنى أتساءل إن كان ثمة اتفاق بين هؤلاء الشعراء على استخدام نفس المفردات وللحقيقة كانت بعض القصائد النثرية تحفل بلغة القص وتشى بقصاصين على درجة عالية من المهارة واختيار عوالم وأجواء غرائبية وخطر لى أكثر من مرة أن أرفع يدى طالباً الكلمة لكى أعبر عن دهشتى وإعجابى بتلك القصص ولكنى تذكرت فى اللحظة الأخيرة أن عنوان الندوة هو "أشعار بديلة"
فآثرت الصمت ولكن بعد أن أقسمت فى سرى طبعاً ألا أغامر مرة أخرى بحضور ندوات الآتليه
وبعد أن تأكدت أن الأشعار هى الأشعار التى أعرفها وأنه ليس ثمة أشعار بديلة.




هناك تعليقان (٢):

خالد جوده يقول...

أستاذ سمير
مدونة جميلة، وأسلوب بارع فى الحكى والتعبير عن أفكارك ورؤيتك، مع تغليفها بسخرية أمتعتنى بحق، تلك المدونة ساطالع باقى موضوعاتها فهى متميزة
خالد جوده

سمير الأمير يقول...

اشكرك يا استاذ خالد