الثلاثاء، مايو ٢٦، ٢٠٢٠

11-8-2008حول لامركزية التعليم



حول لامركزية التعليم
                                                       بقلم/ سمير الأمير

لا أعرف على أي شيء يستند هؤلاء الذين يسعون إلى تطوير التعليم عبر اعتماد ما يسمى باللامركزية كبديل سحرى للقضاء على مشكلات العملية التعليمية المزمنة مثل تفشى ظاهرة الدروس الخصوصية التى أصبحت بديلاً للمدارس فى ظل ارتفاع الحد الأدنى للمجاميع المؤهلة لدخول الجامعات وفى ظل نظام التقييم الذى يعتمد اعتماداً شبه كلى على الامتحانات العامة التى لا تقيس سوى القدرة على الاستظهار أو القدرة على الغش
يتناسى هؤلاء أن السبب الرئيسى وراء انهيار النظام التعليمى يكمن فى تلك اللامركزية التى أطلقت يد القيادات المحلية التنفيذية لتحول المدارس إلى ساحات لإظهار النفوذ المحلى من خلال اختيار إدارات مدرسية ليس لديها أدنى تصورات عن أهداف التعليم وبرامجه، لقد وصل الأمر إلى درجة غاية فى الخطورة عندما تم تضخيم دور مجالس الأمناء على حساب النظرة الفنية والموضوعية لعملية التعليم برمتها وجرنا ذلك للحديث عن محلية مصادر التمويل الأمر الذى أدى لظهور مفهوم المدارس المنتجة فتحولت المقاصف إلى بقالات داخل المدارس يغيب عنها البعد التربوى ولا تهدف سوى لتحقيق العائد الاقتصادى الذى ضاع هو الآخر نتيجة استفادة المشرفين على هذا المشروع من أنماط الفساد المتحورة والغير قابلة للإدانة والفضح فالبضائع الموجودة بالمقاصف لا تدرج كلها بالكشوف ولكن يتم إدراج جزء صغير والباقى يتم بيعه لحساب الأشخاص القائمين على العملية بعلم المدراء الذين يحصلون على نصيبهم من الكعكة وهم جلوس فى مكاتبهم ولذا ظهر اللب والسودانى والبيتزا فى المقاصف ووحدات المدرسة المنتجة وحدث ولا حرج طالما أصبح الربح يحكم هذا القطاع الخدمى التربوى الذى كان ينبغى له أن يظل مستقلاً بدرجة عن الأمراض الاجتماعية والمشاكل الاقتصادية التى اعترت الحياة فى مصر فى السنوات الأخيرة فبادرت بعض المدارس بتأجير صالات الألعاب والملاعب للمدربين ولمدارس الكرة الخاصة مما أدى إلى حرمان التلميذ من ممارسة النشاط فى مدرسته،
   إن إطلاق يد الإدارات المدرسية ومجالس الأمناء سيؤدى إلى عكس المرجو تماماً فقد يتم نقل المدرسين وانتدابهم طبقاً لمعايير أخرى قد تغيب عنها معايير الكفاءة ومصلحة التلاميذ فكلنا يعلم أن بعض القيادات السياسية تستخدم سلطتها فى نقل المحاسيب للمدارس التى يطلبونها تحقيقاً لوعود انتخابية وفى إطار ما يعرف بالرشاوى الانتخابية وفى تقديرى أن المعلم كالقاضي لا ينبغى أن يكون عرضة لضغوط خارج العملية التعليمية بل أنى أطالب أن يعهد بتقييم أداء المعلم للجان مركزية محايدة لا تضم غير الأكاديميين والتربويين المشهود لهم من قبل الجميع والذين يتمتعون بثقة واحترام المجتمع المصرى كشخصيات عامة لا يختلف عليها ولا أقول ذلك حرصاً على مصالحى كمعلم ولكن لإيماني بأن للمجتمع المصرى أهدافاً عامة لا يمكن تركها للمحليات التى لا يمكن أن تتسع رؤيتها لتشمل المصالح العليا للوطن ولكنها قد تنشغل بتحقيق أهداف آنية وسياسية محلية تؤدى إلى تفكيك الهدف العام الأسمى وهو خلق جيل يفكر لمصر كلها ولا يتجاهل البيئة المحلية ولكن فى الإطار الأشمل والأعم والأهم،
إن دخول الإنترنت إلى المدارس قد أدى إلى اتساع مجالات الرؤية وأصبح العالم قرية كونية صغيرة وأصبح التلميذ فى المنصورة، عبر الفيديو كونفرنس الذى يرجع الفضل فيه لوزير التعليم الأسبق الدكتور بهاء الدين، أصبح هذا التلميذ قادراً على الاستماع لشرح درس فى الفيزياء مثلاً لمدرس يعمل بمدارس القاهرة أو الإسكندرية
 إننى طبعاً أتفهم حاجتنا إلى اللامركزية بالمعنى الذى يخدم الأهداف المركزية العامة للدولة المصرية مثل المبادرات الفردية والجماعية لبناء المدارس والتبرع بشراء المعدات الحديثة اللازمة لتطوير المعامل والملاعب والقاعات وأيضاً فتح المدارس أمام المتطوعين الراغبين فى خدمة التعليم مجاناً أو تعاون المدارس مع المكتبات العامة والجامعات الإقليمية فى التدريب وتطوير الأداء التربوى،
أما ما لا يمكن قبوله من وجهة نظرى هو محاولة إخضاع المدارس لسيطرة القيادات المحلية السياسية أو التدخل لتعديل نتائج الامتحانات العامة كما كنا نسمع وأرجو أن يكون ذلك غير صحيح لأن البعض كان يقول مثلاً لقد تأخرت نتيجة الإعدادية لأن المحافظ فى إقليم ما يرفض النسبة العامة ويطالب برفعها،
إن الأمثلة على عدم موضوعية وحياد القيادات المحلية كثيرة ولا يعنى ذلك أن المحليات تفتقر إلى الشخصيات العامة المحترمة والمشهود لها بالكفاءة حتى على المستوى الدولى ولكن ربما تكون تلك الشخصيات بعيدة عن متخذى القرارات وربما أيضاً تكون شخصيات لا تسعى للموائمة وإخضاع العلمى والتربوى للسياسى والآنى مما يجعل الاستفادة منها أمراً مشكوك فيه ويرجع للمبادرات الشخصية ولطبيعة القيادات المحلية فى كل إقليم من أقاليم مصر،
 الخلاصة فى تقديرى أنه إذا كنا مصرين على إعطاء المجتمع المدنى والقيادات المحلية دوراً فى المرحلة القادمة فعلينا أن ندرس التجربة اليابانية فى هذا المجال، إذ استطاع اليابانيون تحقيق قدراً لا بأس به من اللامركزية ولكن فى الإطار الذى يخدم مركزية الأهداف التعليمية فى اليابان وكان عليهم فى البداية أن يقوموا بإصلاحات كبيرة بعد الهزيمة فى 1945 وقد كان أكبر إنجازاتهم هو تخليص المناهج التعليمية من النعرات الحزبية والطائفية ولقد تمت صياغة النظام العام للتعليم فى اليابان فى قانونين هما:- قانون التعليم الأساسى وقانون تنظيم التعليم بالمدارس وورد فى القانون الأول التأكيد على المساواة فى فرص التعليم للجميع وعلى حظر التمييز على أساس طبقى أو عرقى أو دينى أو اجتماعى وقد منع القانون وجود أى علاقة بين الأحزاب السياسية والجمعيات الدينية والتعليم، بمعنى أن القانون اليابانى حرص على استقلال التعليم الأمر الذى نخشى أن لا يتأكد فى مصر فى ظل المفهوم الحالى الذى يتم طرحه باسم " اللامركزية" وعلينا أن نمعن النظر فى التجربة الفريدة لليابان التى تميز نظامها التعليمى بمركزية شديدة فيما يخص الأهداف العامة التى من بينها توفير المساواة فى فرص التعليم ونوعيته لمختلف طبقات الشعب دون النظر إلى المنطقة أو المدينة أو القرية التى ولد فيها التلميذ مما يضمن للقائمين على التعليم وللمجتمع أن يحصل الدارسون على أسس معرفية واحدة سواء كانوا من أبناء الشمال أو الجنوب وبغض النظر عن أوضاعهم الاقتصادية، ومع وجود المركزية فى النظام التعليمى اليابانى هناك أيضاً ما يمكن تسميته بلامركزية الإدارة التى تطلق الطاقات المحلية والمبادرات ولكن دون الإخلال بالأهداف العامة وتكافؤ الفرص.












ليست هناك تعليقات: