الجمعة، مايو ٢٢، ٢٠٢٠

29-11-2009 لتفسح الأقدام التى تضرب و تركل مكانا للعقول التى تحاور وتفكر.



الكارثة الحقيقية
لتفسح الأقدام التى تضرب و تركل مكانا للعقول التى تحاور وتفكر.

                                                                           بقلم/ سمير الأمير


فى اعتقادى أنه إذا أمعنا النظر فيما حدث بين الشعبين المصرى والجزائرى على خلفية مباراة التأهل لكأس العالم لأدركنا وجود متغير جديد ف العلاقات بين الشعوب العربية، وهو متغير ينبغى أن يتم تناوله بوعى شديد لأن تجاهل نتائجه سيؤدى حتما إلى استمرار متواليات الانقسام فى المجتمعات العربية حتى تتحلل إلى مكوناتها الأولى العرقية والقبلية، بل لا أبالغ إن قلت أن هذا الانقسام مرشح ليصبح سمة تدل على فشل إدارة الخلاف بين أفراد العائلة العربية الواحدة، إن الحديث عن أن الإعلام لعب دورا خبيثا فى تأجيج مشاعر العداء والرغبة العمياء فى الانتقام بين الشعبين الشقيقين فى مصر والجزائر هو بالتأكيد حديث صحيح تماما ويكفى للدلالة على ذلك استخدام أغانى حرب اكتوبر فى التعبئة للمباراة وتصريح أحد الإعلاميين بأن " استاد القاهرة هو مقبرة الغزاة"، ولكن الأمر فى تقديرى يتجاوز ذلك بكثير، إذ يثبت ما حدث أن الصراع قد يحل محل التعاون بين الدول والشعوب العربية فى المشرق والمغرب ولقد رأينا من قبل مشهدا صاخبا بين حاكمين عربيين يتبادلان الاتهامات ليثبت كل منهما انه الأجدر بزعامة الأمة التى أصبحت بلا زعيم بعد موت عبد الناصر، والأمر هنا إذن لا يتعلق فقط بمجرد مباراة خلقت نوعا من العنف، ولكنه يتعدى ذلك إلى الحكومات التى باتت تجيش شعوبها خلف أهداف تصنعها لهم خصيصا لكى لا تلتفت تلك الشعوب لحقيقة السرقة الكبرى التى تجرى لمستقبلها ولنهب ثرواتها المنظم والمستمر الذى ما كان له أن يتم بكل ذلك اليسر لولا أن الشعوب تم تغييبها وتجييشها خلف فرق كرة القدم، إن الشىء المرعب فيما حدث ليس مجرد البلطجة والعنف الجماعى والتعبير عن التعصب والكراهية فالتعصب والكراهية موجودان فى البنية الثقافية لكل مجتمع عربى ويقومان دليلا على فشل الأنظمة القمعية فى خلق أطر للتعايش المشترك بين مكونات تلك المجتمعات ولعل العنف الذى نشاهده من جمهور كرة القدم هو أحد وسائل التعبير عن أزمة الحداثة العربية، ناهيك عن كون الأنظمة الرسمية تتسامح مع ذلك العنف وتدفع فى اتجاهه وكون كل تلك الوسائل الأمنية غير المباشرة قد أصبحت مفهومة ومكشوفة ولكن المرعب حقا هو هذا التردى وانحطاط مستوى الوعى عند الإعلاميين و عند كثير من المثقفين العرب الذين انجروا إلى الغوغائية والتعصب وسقطوا فى امتحان الحضارة فى كل من البلدين ولم يخجلهم مطالبة إسرائيل للبلدين بضبط النفس!!، وفيما عدا أصوات ضعيفة ومستحيية راح معظم المثقفين والإعلاميين يؤججون النار التى لا مبرر لها وفشلوا فى إرجاع ظاهرة العنف غير المبرر فى سياق المنافسة الرياضية بين فريقين عربيين إلى سياقات أكثر عمقا ومن ثم غابت الأسئلة الأساسية كالسؤال عن السبب الرئيس وراء إصرار صحيفة جزائرية على نشر خبر كاذب عن مقتل جزائريين فى شوارع القاهرة وما الفائدة التى تجنيها الدولة الجزائرية من عدم تكذيب ذلك؟ ولا سيما أنه لم يكن معلوما لدينا وليس معلوما حتى هذه اللحظة أن هناك أى خلافات بين الحكومتين الجزائرية والمصرية، وما الذى دفع الإعلام المصرى لإنكار تعرض الحافلة التى تقل المنتخب الجزائرى للرشق بالحجارة؟ الأمر الذى اتخذه الإعلام الجزائرى ذريعة لنشر كل الأكاذيب عن تعرض الجزائريين للسحل فى شوارع القاهرة؟ ومن المستفيد من نبرة التعالى والتعصب التى دفعت أحد مقدمى البرامج الفضائية المصرية للتهكم على الذين يحاولون رأب الصدع وتحكيم صوت العقل فيما يجرى، إن نبرة التعصب وصلت إلى درجة غياب العقل بشكل كامل لدرجة أن أحد هؤلاء رد على مواطنة مصرية تزف له خبر تعاطف أحد شعوب الخليج مع مصر وتضامن هذا الشعب الخليجى معها ضد همجية جمهور الكرة الجزائرى، رد عليها هذا الصحفى المخضرم قائلا "طبعا.هم يعرفون حجم مصر لأنهم دول صغيرة.. تستطيعين يا ابنتى أن تصحبى كل أفراد هذا الشعب معك فى زيارتك القادمة لمصر!".. وأردف المخضرم الذى لا يمل تكرار أنه اشترك فى حرب 1973" اسمعى يا ابنتى سأقول لك نكتة لتعرفى حجم مصر مقارنة بحجم تلك الدول الصغيرة( هكذا قال)..." ذات مرة كان طفلان يلعبان الاستغماية فى قطر فقرر أحدهما أن يختبأ فى البحرين!!، "، وأيضا هذا الممثل الذى وجد فيما فعله الجزائريون فرصة للهجوم على الفنانين السوريين وإعلان أن إشراكهم فى المسلسلات المصرية يعد انتقاصا من قدر الفن المصرى، متجاهلا هذا التاريخ العريق لمشاركة "الشوام" فى النهضة المسرحية المصرية منذ بدايتها،
، ليس المهم إذن ما حدث من عنف قد يتكرر في مبارايات محلية فقد شهدت مباريات داخل مصر والجزائر ما هو أكثر من ذلك، بل وكان عنف الجزائريين مع مواطنيهم مثيرا للعجب ففى سنة 2008 وعقب مباراة لفريقى مولودية وجمعية الشلف الجزائريين اندلعت أعمال عنف فى مدينة وهران أدت إلى إصابة 60 شرطيا بإصابات بالغة ومقتل بعض رجال الأمن و طالت أعمال التخريب مقار مؤسسات اقتصادية عامة وخاصة،   وحدث فى مصر أيضا فى سنة 2003 و عقب مباراة أقيمت بين فريقي الأهلي والإسماعيلي بمدينة الإسماعيلية في إطار مباريات الدوري أن اندلعت اشتباكات بين رجال الشرطة ومشجعين بعد أن حاول مشجعى فريق الإسماعيلي الاعتداء على مشجعي الأهلي بعد انتهاء مباراة الفريقين بفوز الأهلي مما أدى إلى حدوث مصادمات بين رجال الأمن والمشجعين الذين تجمهروا بالآلاف خارج استاد الإسماعيلية وقاموا بإلقاء الحجارة على رجال الشرطة مما أدى إلى إصابة ضابطين ونحو ١٨ جنديا وأمين شرطة، ومن الحادثتين التى ذكرتهما ينبغى أن نعترف بأننا كلنا فى الهم شرق وإن كان الإنصاف يستلزم أن أقرر أن شغب الجمهور المصرى لا يقارن بعنف الجمهور الجزائرى نظرا للطبيعة الشرسة للجغرافيا التى خلقت قدرا كبيرا من شراسة بعض إخواننا الجزائريين،
إننى أهيب بالمثقفين والفنانين فى مصر والجزائر أن يدركوا خطورة الموقف وأن يتحدوا معا حتى نتمكن من إيقاف هذا التعميم غير الموضوعى الذى يتجاهل كل تاريخ الكفاح المشترك بين الشعبين الشقيقين فى مصر والجزائر،

   فلتكن البداية هى أن نعترف أن خيبتنا أكبر بكثير من مجرد فشل ثلاث حكومات عربية فى تنظيم مباراة لكرة القدم وفى إحكام السيطرة الأمنية على جمهور تلك المباراة، فالخيبة فى اعتقادى تكمن فى اختفاء صوت العقلاء من الجانبين و ترك الساحة الإعلامية لمؤججى الفتن ومثيرى النعرات الشوفينية وقد أثبتت تلك الأحداث انه لا تأثير يذكر للمثقفين فى كلا البلدين، بل أن كثيرين منهم فعل تماما مثلما فعلت الحكومتان فراح يتملق المواطنين الغاضبين عبر تبنى ردود أفعالهم وتلك هى الكارثة الحقيقية التى يجب أن نسعى لعدم تكرارها وليكن شعارنا --وإن كنت اعترف بانقضاء زمن الشعارات- لتفسح الأقدام التى تضرب و تركل مكانا للعقول التى تحاور وتفكر.

ليست هناك تعليقات: