الثلاثاء، مايو ٢٦، ٢٠٢٠

10-6-2008تطوير التعليم ( الوزارة تنقض غزلها)



تطوير التعليم ( الوزارة تنقض غزلها)
                                                                    بقلم/ سمير الأمير
 رغم أننى كنت قد قررت بينى وبين نفسى أن أتوقف عن ممارسة التفكير لكى أتمكن من بناء جسور للتوافق بينى وبين وزارة التعليم التى أعمل بها مدرسا للغة الإنجليزية منذ خمسة وعشرين عاما إلا أن الطبع يغلب التطبع ويبدو أن المثل الشعبى الذى لم تتوقف أمى أبدا عن ترديده على مسامعى" نهيتك ما انتهيت والطبع فيك غالب"سيظل يلاحقنى حتى آخر عمرى،
  يدفعنى لهذا الكلام ما أعلنت عنه الوزارة من البدء فى تلقى طلبات المعلمين للانضمام إلى المرحلة الثانية من الكادر الخاص بهم وذلك بتقديم طلبات الالتحاق باختبارات الأكاديمية التى أنشأت خصيصاً لتحديد هؤلاء الذين لهم الحق فى شغل وظائفها التعليمية والغريب أن الوزارة تبدأ مشروعها وكأن كل معلمى مصر غير مؤهلين تأهيلاً جيدا يسمح لهم بالتدريس فى المدارس المصرية والغريب أيضاً أن كل برامج تدريب المعلمين السابقة التى أنفقت عليها الدولة ملايين الجنيهات أصبحت وكأنها لم تكن،  وهذا فى اعتقادى غير صحيح فالمعلمون المصريون قد أثبتوا أنهم لا يقلون كفاءة عن كل مدرسى العالم وقد ساهموا فى نشر التعليم فى دول الخليج ودول المغرب العربى ويعرف القاص والدانى قدرهم ومكانتهم ومحاولة تحميلهم كارثة فشل النظام التعليمى عبر الإيحاء بضعف مستواهم هو تجاهل للظروف المحيطة بالعملية التعليمية من ضعف التخطيط التربوى وكثافة الفصول ونظم الامتحانات التى هى أساس ظاهرة الدروس الخصوصية بغض النظر عن ضعف مرتبات المعلمين، إن نظاما تعليمياً يطلب من معلم قضى فى وظيفته أكثر من عشرين عاماً أن يثبت أنه معلم هو نظام يسعى لزعزعة ثقة المعلم بنفسه وكان ينبغى لهذا النظام أن يدعمه ببرامج التدريب وبرفع راتبه للدرجة التى تقلص من ظاهرة الدروس الخصوصية التى تشكل فشلاً مجتمعياً وإن كانت تثبت من ناحية أخرى قدرة واحتراف المعلمين فى التعامل مع مناهج تقيس فقط القدرة على الاستظهار
 الأمر فى تقديرى ينطوى على إهانة بالغة لمعلمى مصر كما ينطوى على اعتراف- لا مبرر له- بإهدار للمال العام فى برامج سابقة لم تعلن الوزارة صراحة أنها كانت بلا طائل والمفهوم أيضاً أن الوزارة غير راغبة فى محاسبة هؤلاء الذين خططوا ونفذوا تلك البرامج التى كان أخطرها- هذا إن صح افتراض فشل البرامج السابقة- قيام الوزارة بإرسال بعثات إلى أوربا لتحسين أداء المعلمين وتطوير طرق التدريس وقد تم ترشيح هؤلاء المبعوثين من قبل الموجهين وتم تدريبهم بمراكز التدريب بالوزارة واجتازوا اختبارات ومقابلات للتأكد من أنهم سيكونون ممثلين جيدين لمهنة التعليم المصرية وللشعب المصرى فى الدول التى بعثوا إليها وقد كانت تلك البعثة هى أكبر البعثات التعليمية منذ عهد محمد على إذ بلغ عددها حوالى 11647 معلماً ومعلمة فى معظم التخصصات كالعلوم واللغات الأجنبية والرياضيات وامتدت عملية التدريب فى الخارج من عام 1993 وحتى عام 2005 ومن المعروف أنهم جميعا قد اجتازوا اختبار " التوفيل " بنجاح بالإضافة إلى أنهم كانوا من أكفء العناصر فى تخصصاتهم طبقاً لتقارير الأداء ولأراء الرؤساء المباشرين وقد عادوا إلى مصر بعد حصول معظمهم على شهادات من جامعات دولية تثبت أنهم ليسوا أقل كفاءة من المدرسين فى المدارس البريطانية والألمانية والفرنسية بل أن بعضهم حصل على شهادات جدارةcommendation كانت تؤهلهم للبقاء فى الدول الأوربية والتدريس فى مدارسها فما الذى استفادته الوزارة من هؤلاء ؟وما الذى استفاده دافعو الضرائب المصريين من كل الأموال التى أنفقت على برامج تدريبهم فى مصر قبل السفر وعلى إقامتهم وتدريبهم فى أوربا أثناء بعثتهم؟،  لقد قدمت الباحثة" عائشة عبد السلام المنشاوى" دراسة حول تلك البعثات لتقييم التجربة والوقوف على أساليب الاستفادة منها ورغم أن الباحثة تعمل بوظيفة مدير عام بالوزارة إلا أنه يبدو أن الوزارة لم تلتفت لجهدها الذى يستحق التقدير وأشهد طبعاً وأنا أحد هؤلاء المبعوثين أن العائد من المشروع كان متواضعا جدا ولا يناسب حجم ما تم إنفاقه عليه وذلك لأن المدرسين عادوا ليخضعوا لنفس النظم التى ذهبوا لكى يعودوا بأساليب لتغييرها، ولا يعنى ما أقوله أن المدرسين الذين لم تشملهم البعثات ليسوا مؤهلين للتدريس أو أنهم أقل كفاءة من زملائهم المبعوثين فبعضهم منعته الظروف العائلية من السفر ولاسيما النساء والأمر لم يعد مثارا للاختلاف بعد أن نقضت الوزارة غزلها وأعلنت عن إنشاء أكاديمية المعلمين لتقول للمعلم بالفم المليان" أنت لست معلماً وعليك أن تثبت أنك جدير بمهنتك بالخضوع لاختبارات الأكاديمية بمستوياتها التى حددتها فى ثلاثة محاور هى اللغة العربية والعلوم التربوية ومادة التخصص".
  ولا اعتراض لدى على أهمية إنشاء أكاديمية المعلمين ولكن يجب أن تضفى هذه الأكاديمية مزيدا من احترام المهنة فلا تخضع هؤلاء الذين أمضوا أكثر من نصف عمرهم فى المدارس للاختبارات ولا هؤلاء الذين عادوا بشهادات من الجامعات الأوربية تثبت أنهم معلمون ممتازون وليس معنى هذا أن تتركهم الأكاديمية بلا تدريب ولكن فلتنظم لهم ما شاءت من تدريب أثناء العمل in-service training ومعظمهم يقترب من سن الإحالة للمعاش أما الاختبارات فلتكن للمتقدمين الجدد لشغل الوظائف التعليمية من شباب الخريجين ومن الذين لم يمض على تعينهم أكثر من خمس سنوات. وقبل ذلك على الوزارة أن تفتح تحقيقاً حول البعثات السابقة ومدى ما أنفق عليها من أموال وما هى الأساليب التى اعتمدتها للاستفادة من هؤلاء المعلمين فى تدريب زملائهم الذين لم يتمكنوا من الانضمام للبعثات وهل تنوى الوزارة الاستفادة من خبراتهم فى عملية التطوير المزمعة بضمهم للأكاديمية كمدربين أم أن على هؤلاء أيضاً أن يثبتوا كل يوم أنهم معلمون؟ وأين نقابة المعلمين من كل هذا الذى يجرى لأعضائها؟ فى اعتقادى أن عليها أيضاً أن تثبت الآن أكثر من أى وقت مضى أنها " نقابة"   

ليست هناك تعليقات: