الثلاثاء، مايو ٢٦، ٢٠٢٠

6-12-2007هموم مدرس مصرى



هموم مدرس مصرى
                                                                    بقلم/ سمير الأمير

أرى _من وجهة نظرى كمعلم مصرى_  أن نظامنا التعليمى قد تعرض فى العقدين الماضيين لهزات عنيفة كنتيجة مباشرة لما مر به المجتمع المصرى من تحولات اقتصادية واجتماعية وفكرية وكان فقدان المدرسة لدورها الفعال كمؤسسة تنوب عن المجتمع فى تربية الأبناء من  أخطر ما حاق بنظام التعليم فى مصر فقد هجر الطلاب المدرسة ولا سيما فى المرحلة الثانوية بعد أن تراجع دورها كمحتوى تربوى وكمجال لممارسة الأنشطة ولتحقيق النمو المتكامل لكل جوانب الشخصية ولاكتساب مهارات التواصل بين الطلاب بعضهم البعض  وبينهم وبين جيل الآباء من الأساتذة والشىء الغريب أننا أصبحنا نجد أن هناك تناسباً طردياً بين كثرة الحديث عن تطوير التعليم وبين انهيار المنظومة التعليمية بكل جوانبها، فلم يحدث على سبيل المثال وعلى مدى تاريخ النظام التعليمى المصرى أن كان هناك تأكيد على أهمية ممارسة الأنشطة المدرسية وعلى المشاركة المجتمعية والمدرسة الفاعلة مثلما نسمع ونقرأ هذه الأيام ولكننا فى الواقع سنجد أن الأنشطة قد اضمحلت وأصبح المسؤلون عنها فى المدارس يستجدون الطلاب المرهقين بالدروس الخصوصية وبرعب امتحانات آخر العام من أجل أن يشاركوا فى تلك الأنشطة كما أننا نجد أن بعض المعلمين المنوط بهم تفعيل تلك الأنشطة من مسرح ومناظرات وندوات غير مقتنعين بجدواها و علينا أن نعترف أن السنوات الأخيرة أنتجت جيلاً من المعلمين يضم هؤلاء الذين يحسبون تميزهم بمدى ما حققوه من كسب مادى ويضم أيضاً هؤلاء الذين عادوا  من الإعارات بدول الخليج وهم يحملون أفكار البادية الملتبسة بفهم خاطىء للدين  ، هذا الفهم الذى ينظر للمسرح والغناء على أنهما انحراف وفساد وفى المقابل نجد أن بعض المعلمين الشرفاء سواء بالأختيار أم بالقسر.. يحاولون القيام بدورهم فلا يستطيعون بعد أن أصبح لا حول لهم ولا قوة أمام قسوة ظروفهم المعيشية وأمام نجوم المجتمع الجديد من أباطرة المال والجاه، فلا مدارسهم تحتفى بهم ولا يبدو أن لدى الدولة برامج وأهدافأ تحتاج إلى جهودهم وتثمن دورهم ولا حتى أسرهم ترحمهم نتيجة أن أبناءهم لا يجدون لا الملبس ولا المسكن المناسبين وقد حكى لى أحدهم أن زوجته قد اشترطت عليه إما أن يعطى دروساً خصوصية كبقية زملائه وإما الطلاق!! وقال لى آخر أن الحلاق رفض أن يأخذ خمسة جنيهات من ابنه لأن أباه مدرس لغة انجليزية وحين قال له الولد أن أبى لا يعطى دروساً خصوصية ، قال له الحلاق أنه خائب ولا يعرف مصلحته فعاد الابن حزيناً يشكو لأمه التى اتهمت زوجها المدرس" بالتسبب فى فضيحة للولد وذلك لايدعو للاستغراب إذ اصبحت الدروس بالنسبة للمدرس جزءأ من الوجاهة الاجتماعية ومقياسأ للأهمية،
    الغريب أن هذا الوضع المتردى للنظام التعليمى لا ينعكس فى التقارير الرسمية للإدارات المدرسية أو إدارات المتابعة فعندما تقرأ تلك التقارير تشعر أن كل شىء على ما يرام، فطبقاً لهذه التقارير أصبحت المدارس فاعلة ومنتجة بل وتحقق دخولاً مادية ولم يدر بخلد أحد أنه تحت شعار "" المدرسة المنتجة" تحولت مدارسنا إلى منافذ لبيع الشيبسى والبيتزا والمياه الغازية وطبعاً من حصيلة أرباح هذا البيع يستفيد القائمون على مشروع المدرسة المنتجة التى تحولت فى الممارسة العملية إلى " المدرسة البياعة" ولا مانع لدى المستفيدين من أن تظل تلك المنافذ مفتوحة حتى أثناء الحصص لتزداد حصيلة البيع ولأن تحقيق الربح أصبح هدفاً فى حد ذاته وبالطبع يلاحظ أبناؤنا الطلاب تلك السلوكيات من جانب بعض ممن يفترض أنهم مسؤلون عن تربيتهم وإرشادهم ويصبح المطلوب من المعلم داخل الفصل أن يسيطر على مجموعة الطلاب الذين أصبحو زبائن " للمدرسة البياعة" المعروفة كذباً بالمدرسة المنتجة وبذ ا يكون شعار المدرسة المنتجة قد فقد معناه الحقيقى إذ أن المشروع كان يهدف إلى تسويق ما تنتجه المدارس بالفعل بأيدى طلابها ومعلميها فى الأنشطة المختلفة وفى مجالات الزراعة  والصناعة والاقتصاد المنزلى والتربية الفنية وكان يجب بالطبع أن يكون هذا الانتاج مكونأ أساسياً من مكونات عملية التقويم الشامل للطلا ب والمعلمين على حد سواء،
 أعتقد أننا بحاجة  الأن أكثر من أى وقت مضى لاستعادة المدرسة لدورها كوحدة تربوية تحمل أهداف المجتمع  وتربى النشء وتشكل الملامح الأساسية للمواطن المصرى المنتمى لمصريته ولوطنه العربى انتماءً يتجاوز مجرد ترديد الشعارات التى فقدت مضمونها بفعل المماراسات الخاطئة، فكيف نطالب بتفعيل الأنشطة بالمدارس فى حين أن الطلاب لا يحصلون على درجات خاصة بالأنشطة تضاف إلى مجموعهم  الذى يؤهلهم لدخول الكليات التى يرغبونها؟ كيف نجعل من امتحان آخر العام هدفاً وحيداً ثم نتباكى على إهدار الأهداف التربوية والسلوكية والمعرفية الأخرى؟ انتبهوا يا سادة لقد أصبحت مدارسنا الثانوية خاوية على عروشها بعد أن ذهب الطلاب للمراكز التى تؤهلهم للحصول على أعلى المجاميع طالما أن هذا هو الهدف الوحيد والأساس وليس من حقنا أن نلوم الطلاب على عدم الحضور طالما أن حضورهم وممارستهم فى الأنشطة لاينعكس على مجموعهم إيجاباً بل أنه_ من وجهة نظرهم طبعاً- يضيع أوقاتهم فيما لا طائل منه؛
       من هنا أرى أن على القائمين على التخطيط التربوى وتطوير المناهج  أن يصدقوا أنفسهم ويضعوا فى الاعتبار أن الحضور والتفاعل مع البيئة المدرسية وممارسة الأنشطة التربوية من أساسيات التقييم والتقويم، أقول عليهم أن يصدقوا أنفسهم قبل أن يطالبوا الطلاب وأولياء الأمور والمعلمين بتصديقهم!

ليست هناك تعليقات: