الليبراليون
الجدد
بقلم/ سمير الأمير
**********************
كنا إذا
عجزنا عن تصنيف أحد المفكرين فى زمن القولبة والتصنيف الذى رحل إلى غير رجعة نقول
أنه ليبراليى وكانت الكلمة توحى بأن ذلك الشخص لا يتشبث بفكرته إذا ثبت أنها غير
مجدية وأنه على استعداد لتقبل أفكار الآخرين والتسامح معها حتى وإن كان يختلف هو
معها وكان وجود هؤلاء الليبراليين فى الحياة السياسية والفكرية يشكل ضمانة
لاستمرار الحوار والجدل الفكرى وشرطاً من شروط الحرية والإبداع فى المجتمع وكان
يؤمن أيضاً عدم الاتهام بخيانة الوطن وبالخروج على الثوابت التى لم نكن نعلم سر جعلها
ثوابت فى فترة تسلط القوميين على كل منابر السلطة سياسياً وثقافياً و بمعنى أكثر
وضوحاً كان اللبراليون بمثابة القضاة الذين يحتكم إليهم كل الفرقاء.
ورغم أنهم كانوا يثمنون غاليا التراث
الديموقراطى الغربى ويرون أن تبنى العرب للأفكار الديموقراطية فى التعايش والحرية
كفيل بدفعهم على طريق التقدم الاقتصادى والاجتماعى إلا أنهم لم يتبنوا أبداً
المواقف العدوانية للغرب من القضايا العربية وذلك يرجع لأن تبنيهم لأفكار الحداثة
والتطوير كان مدفوعا بوطنيتهم التى لم يكن يجرؤ أحد على التشكيك فيها
والسؤال الآن أين توارى هؤلاء؟ وكيف حل محلهم من
يتسمون بالليبراليين الجدد الذين لا يتبنون الأفكار الإنسانية للحضارة الغربية بل
يتبنون المشاريع العدوانية للغرب التى يرفضها معظم المفكرين الغربيين أنفسهم ولا
يرى هؤلاء الجدد مطلقاً أن التطرف والتشنج الدينى فى مجتمعاتنا ليس إلا أحد
الأسباب المباشرة لسطوة الغرب وتسلطه ورغبته فى هدم أى إمكانية لنهوض تلك
المجتمعات التى لا يستطيع أن يتعامل معها إلا عبر ثنائية الهيمنة والخضوع إذ يشكل
نهبه للبترول شرطاً جوهرياً للترف والرخاء الذى يتمتع به الرجل الأبيض،
لقد نجحت العدوانية الأمريكية المدعومة من
راغبى اقتسام الغنائم فى حصارنا داخل أنفسنا وجعلنا نرتدى أبشع وجوهنا ظناً منا أن
ذلك سيردع شهوتهم فى لعق بترولنا ودمنا ولقد ساعدهم هؤلاء الجدد بهجومهم على كل ما
هو إسلامى جملة وتفصيلاً دون أىتفريق بين ما أصبح يشكل هويتنا وبين الأفكار التى
دعمها الغرب فى حربه ضد الشيوعية ومازال يستخدمها عبر استفزازها فينا لكى نظل
قابعين عند أول درجات السلم الحضارى إذ يدعمون تطرفنا عبر تهميشنا ثم تهشيمنا
تمهيداً لكنسنا ليس فقط خارج الوعى بالتاريخ بل خارج الوجود ذاته
وما
يثير الاشمئزاز أن هؤلاء الجدد لا يلقون باللوم على القاتل ولكنهم يطالبون القتيل
بالاعتذار
فيسمون
المقاومة إرهاباً ويسمون العدوان تحريراً ويلبسون الحق بالباطل، وبعد أن كان الليبراليون عيوننا التى نرى بها المستقبل أصبح
هؤلاء الجدد مدعى الليبرالية شوكة فى ظهورنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق