حول الأزمة
فى لبنان... العرب بين مشروعين
بقلم/ سمير الأمير
يحلو للبعض أن
يصور الصراع بين الموالاة والمعارضة فى لبنان على أنه صراع طائفى بين الشيعة
والسنة وبين أجنحة مسيحية هنا وأخرى هناك والحقيقة أن هذا التحليل يفتقر إلى
المنهج العلمى إذ أن الصراع الطائفى والمذهبى هو أحد تجليات الصراع الأكثر عمقاً
فى جذوره التاريخية و الاقتصادية والاجتماعية وليس خفيا أنه حتى فى تاريخية الصراع
بين بنى أميه وآل البيت كانت تكمن ذات الأسباب،
من هنا يجدر بنا
النظر للموضوع فى جوهره وعدم الانجرار للمقولات التى تعتم رؤيتنا وتساهم فى وقوعنا
فى الفخ العنصرى والطائفى الذى تسعى إسرائيل لدفعنا إليه دعما لأطروحتها ومشروعها
كدولة يهودية، إذ يشكل تعايش الأديان والطوائف فى المنطقة تقويضا لمستقبل الدولة
الصهيونية من أساسه،
فلنكن أكثر وضوحا
إذن ولنسم الأشياء بمسمياتها الحقيقية ولنعترف أن الصراع فى لبنان هو تعبير عن
تناقض بين مشروعين فى المنطقة العربية برمتها، المشروع الأول هو مشروع التسوية
السلمية الذى تقوده دول ما يسمى " بالاعتدال" وفى مقدمتهم مصر والمملكة
العربية السعودية ومعهم طبعاً فى فلسطين فريق السلطة بقيادة محمود عباس وفى لبنان ما يسمى بفريق
الرابع عشر من آزار أو ما أصبح يعرف بالموالاة
وليس خفياً أن
القائمين على هذا المشروع ينظرون إلى المقاومة على أنها مغامرة غير محسوبة تقوض
فرص الاستثمار وتزعزع الاستقرار فى المنطقة ويضيفون طبعا ً أنها تعطى المبررات
لإسرائيل للقيام بتدمير البنى التحتية فى لبنان وقطاع غزة كما تمنحها الفرصة
للانقلاب على الاتفاقات المبرمة بينها وبين العرب ويصور هؤلاء الأمر وكأن إسرائيل
بحاجة إلى مبررات ومما يؤسف له أن خطاب هذا الفريق يتماهى مع الخطاب الأمريكى
والصهيونى لدرجة تنم إما عن تورط وعدم دراية أو تشى بارتباط مصالح من نوع ما!
ولم يستطع هذا
الفريق أن يقنع الجماهير العربية بجدوى المبادرات إذ أنه يتلقى الضربات من إسرائيل
التى من المفترض حسب تصورهم أن تدعم توجهات هذا الفريق ولعل ما حدث في اليوم التالى
لمبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز فى قمة بيروت سنة 2002 يقدم دليلا ساطعا على
ما أذهب إليه إذ كان رد إسرائيل على المبادرة هو اجتياح جنين والمخيمات الفلسطينية
بينما القادة ما يزالون فى بيروت يعلنون مشروعهم لمقابلة الأرض مقابل السلام وهى
مقولة خادعة تعنى أنه على إسرائيل أن تتراجع عن احتلالها للأرض مقابل أن تمنحها
الدول العربية السلام ويتناسى هؤلاء أن إسرائيل لديها الأرض والسلام وأنه لم يعد
لدينا نحن شيء منذ صرحنا بأن تسعة وتسعين بالمائة من أوراق اللعبة فى يد الولايات المتحدة
ومنذ بدأ المشروع القومى العربى فى التراجع مفسحاً المجال لخيارين أساسيين كليهما
مر، الخيار الأول كما أسلفت هو القبول بمشاريع التسوية التى تمنح إسرائيل ما لم
تستطع أن تحصل عليه أثناء احتلالها للأرض والخيار الثانى هو الاستمرار فى المقاومة
تحت لواء الحركات الإسلامية التى بد ا أنها القوى الوحيدة التى تقاوم الهيمنة
وترفع سقف المطالب العربية إلى مستوى توقعات الشعوب التى عانت من فساد الأنظمة
وبالتالى تحصل على دعم وزخم جماهيرى ترى أنه يؤهلها للحلول محل النظم القومية التى
انهارت أو استسلمت للهيمنة الأمريكية وأقول أن كلا الخيارين مر لأن حركات الإسلام
السياسى فى معظمها تصدر خطاباً مصمتاً لا يقبل التأويل والخلاف وبالتالى فإن
صعودها بتكوينها الحالى يشكل خطراً على مشروع التعددية السياسية الذى هو مازال فى
طوره الأول كما يشكل انتكاسة حضارية فى الطريق إلى الحرية
ومما هو جدير بالتأمل أن كل مشروع من المشروعين
المتصارعين يتهم الآخر بتطبيق أجندة خارجية فالموالاة تتهم فريق المعارضة بالولاء
لسوريا وإيران على حساب المصالح الوطنية اللبنانية وكذلك يتهم فريق المعارضة
مجموعة الرابع عشر من آزار بالاصطفاف مع أمريكا وفرنسا بل وإسرائيل،
وأعتقد آسفاً
طبعاً أن الاتهامات التى يكيلها كل طرف للآخر هى اتهامات حقيقية، إذ ليس خفياً أن
سوريا وإيران فى صراعهما ضد المشروع الأمريكى فى المنطقة تقدمان الدعم لحماس وحزب
الله ولكن ضعف موقفهما فى قضية العراق- حيث تبديان قدراً من التعاون مع الولايات
المتحدة لكى لا تقعا تحت طائلة الاحتشاد الدولى ضد الارهاب- يشكل تناقضاً يضعف موقف
حركات المقاومة التى لا تجد فى النظم العربية الرسمية أى بارقة أمل تبشر بأن تلك
النظم يمكن أن تتبنى مشروعاً بديلاً بعد أن فشلت المشاريع السلمية وبالتالى من
الطبيعى أن لا ننزعج كثيراً حين نعرف أن كفاح حماس وحزب الله ليس نضالا عربياً
خالصاً ومن ثم تصبح المقاومة ورقة يمكن أن تستخدمها سوريا فى مشروع للتسوية أو
تستخدمها إيران فى أى مرحلة من مراحل المفاوضات حول برنامجها النووى مثلاً أو فى
إطار تنسيق ما حول العراق، لكنه من الإنصاف أن نذكر أن الخطاب السياسى لحزب الله
ولحسن نصر الله ظل دائماً بمنأى عن النعرة الطائفية وبقى مرتكزاً على أن المقاومة
هى مقاومة وطنية لبنانية وليست تعبيراً عن الطائفة الشيعية وبالتالى سمح هذا
الخطاب باستيعاب عناصر من القوميين والشيوعين الذين لم يجدوا أى حرج فى الانضمام
للمقاومة التى يقودها حزب الله، ولكن على الجانب الآخر فشلت حماس بامتياز فى
الخروج من العباءة الدينية التى تجعل من مشروع نضالهم مشروعاً مقبولا من بقية
الأطياف السياسية والفكرية فى فلسطين والعالم العربى وبدا واضحاً ارتباطهم بحركة
الإخوان المسلمين بل أنه يطلق عليهم " إخوان فلسطين"
ولا تخطيء الأذن
الواعية تلك النبرة اليقينية التى تميز خطابهم السياسى الذى يستخدم مصطلحات الدين،
إننى اعتقد أن انحسار
المشروع القومى العربى قد ترك مكانا لاحتمالات غير واضحة المعالم سواء على صعيد
هؤلاء الذين لا يرون غير أسلوب المفاوضات وطرح المبادرات ويستبعدون تماما خيار
المقاومة وهؤلاء الذين يتبنون خط مقاومة الهيمنة الأمريكية ومقاومة الصلف
الإسرائيلى ولكنهم يفشلون فى جعل مقاومتهم تتخذ بعدها الوطنى التعددى ويصرون على
أن تتخذ بعداً دينياً فيقدمون بذلك مبرراً قوياً لتمسك الإسرائيلين بمشروع الدولة
اليهودية كما طرحه بوش،
هل ذهبت بعيدا عن
الموضوع اللبنانى الذى بدأت به المقال، لا أظن لاعتقادى أن لبنان كان دائماً ساحة
للتناقضات والصراعات العربية/ العربية ناهيك عن وجوده فى قلب نتائج تأسيس الدولة
اليهودية منذ 1948 وحتى هذه اللحظة ولاعتقادى أيضا أن ثنائية "الموالاة"
و"المعارضة" تتعدى الأزمة اللبنانية لتشكل الحالة الراهنة فى كثير من
الدول العربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق