الأحد، مايو ١٧، ٢٠٢٠

12-11-2008ثقافة رد الفعل



ثقافة رد الفعل- مع الاعتذار للحزب الوطنى وأحزاب المعارضة
                                                              بقلم/ سمير الأمير
صرح جمال مبارك مؤخرا  بأن الحزب الوطنى بدأ الاستعداد لانتخابات 2010 وهى الانتخابات التى ستسبق الانتخابات الرئاسية  بعام واحد، ومن ثم تكتسب  أهمية كبيرة إذ أنها سترسم مستقبل بلادنا لسنوات ،ولذا يجب على الأحزاب الشرعية أن تبادر من الآن بالإصرار على فتح حوار حول الضمانات التى تجعل من تلك الانتخابات علامة فاصلة بين مرحلتين، الأولى تتسم بعزوف الجماهير عن المشاركة نتيجة لما نعرفه جميعا من تجاوزات  ، والمرحلة الثانية التى نتطلع إليها بشغف  هى مرحلة الممارسة الديموقراطية  القادرة على بعث الأمل فى نفوس أبناء شعبنا و إعادة تحرير روحه  من أسر التأسلم السياسى، و من حالة السلبية التى تشكل البيئة المواتية لانتشار الفساد، وحتى الآن، لا يوجد دليل  يثبت جدية الأحزاب  واستعدادها لخوض تلك الانتخابات بشكل يخرجها عن كونها مجرد ديكور يتم تخزينه فور انتهاء العرض المسرحى الذى لم يعد يثير الجمهور،ومن المثير للعجب  أنه بالرغم من امتلاك النخبة السياسية   للوعى اللازم للشروع فى الاستعداد لعمل ذلك التنوير الثقافى  الذى يمهد لإرساء دعائم المجتمع المدنى  حيث يسود حكم القانون الذى يساوى بين المواطنين فى الحقوق والواجبات ويجعل فرصة مرشحى المعارضة متساوقة مع فرص مرشحى الحزب الوطنى، إلا أن النخبة مدفوعة للاشتباك فى معارك فوقية محكوم على نتائجها سلفاً، وذلك بسبب التعامى عن الظواهر فى بدايتها، ولنأخذ مثلا ما أصبح معروفا بقضية " التوريث" التى ستتحول فى النهاية إلى نكتة من النكات المصرية  وذلك يرجع  إلى هذا الابتسار الذى يحصر الموضوع فى شخص ابن الرئيس ، ويبدو  أن المعارضة مدفوعة للتركيز على تلك القضية بوضعها تحت عنوان" التوريث" بنفس الطريقة التى تُدفع بها للمشاركة فى الانتخابات التى تعلم أنها ستخسرها نتيجة لغياب  ضمانات  القبول بتلك اللعبة  ، و جمال مبارك كما يصرح بعض السياسيين من قيادات "الوطنى" هو مواطن  يعمل بالسياسة فى هيئة حزبية قيادية ومن حقه أن يتقدم للانتخابات، وهو منطق قد يكون مقبولا لولا أنه مبتسر،  إذ لابد أن يكون ذلك  مرتبطا برؤية  تضع نصب عينها أن مصر تذخر بقيادات  أخرى لها نفس الحق، بل أن ممارستها لحق الترشيح فى الانتخابات السابقة أوردها موارد الهلاك، كأيمن نور المدان بتزوير بضعة توكيلات بينما مزورو إرادة أمة بأكملها يمرحون  دون أن يجرؤ أحد على محاسبتهم ، فليعلن  جمال مبارك أنه يرغب فى المنصب عبر انتخابات شرعية  تكفل المنافسة الشريفة  وساعتها سيصبح من الخطأ،  الحديث عن منعه من ممارسة حقه الذى كفله  الدستور ، لأن المعارضة ستبدو عندئذ وكأنها هى التى تعمل ضد الديموقراطية، و من هذا المنطلق علينا أن نتوقف عن النظر للأمر فى إطار" التوريث" لأن ذلك يصب فى مصلحة المرشح المحتمل للحزب الوطنى ويشى بأن توليه المنصب مسألة حتمية، و علينا أن نناقش شروط  تلك الانتخابات ونركز على ما يضمن نزاهتها   بالإصرار على الإشراف القضائى  عليها، و مراقبة السلوك الحكومى حيالها وضمان عدم استخدام مؤسسات الدولة من قبل حكومة الحزب الوطنى لدعم  مرشح حزبها بغض النظر عن كونه جمال مبارك أو شخصا آخر، أو رفض تلك الانتخابات وعدم المشاركة فيها إن هى افتقرت لتلك الضمانات، ومن الضرورى  أن تبدأ النخبة فى فتح حوار حول المرشحين المحتملين للمعارضة وأن تبرز تلك الشخصيات  التى تتمتع  باحترام المصريين لكى لا يشعر الناس بافتقار الواقع  إلى المؤهلين للترشيح لمنصب الرئاسة، لأن ذلك هو ما يتم الترويج له ، وهو ما يجب التنبه له بدلا من الانجرار إلى قضية تجعل المعارضة تبدو وكأنها هى التى تمارس الإقصاء السياسى للمواطنين الطبيعيين وتجعل الحزب الوطنى يبدو وكأنه الحمل الوديع، بينما تنشغل المعارضة    " بثقافة رد الفعل"، لأن " الفعل" ينشأ هناك على الجانب الآخر فيصيبها بالعصبية  و الاندفاع إلى الركن الذى يمكن الخصم  من توجيه الضربة القاضية لها، إن المعارضة إذ تضع نفسها فى هذا التناقض تشبه الطالب الذى يؤجل مذاكرته طوال العام ثم لا يشرع فيها إلا بعد أن تنشر الصحف جدول الامتحانات وقد ذكرت المثل  لأدلل على خيبتنا حيال ما يسمى بقضية "التوريث" التى أصبحت بتغافلنا ضاربة الجذور فى عمق التربة المصرية والتى كان  يجب علينا أن نواجهها فى مستوياتها عند سفح وأواسط الهرم الاجتماعى حيث تتلامس مباشرة مع مصالح البسطاء وبالتالى كان ومازال من المفترض أن نكون أكثر انزعاجا حيال التأثيرات المباشرة لظاهرة توريث الوظائف العامة ووظائف هيئات التدريس بالجامعات، فكلنا يعلم كم أهدرت عقول  لا لشىء إلا لكى يتمكن أبناء الأساتذة وأبناء القضاة ورجال البوليس  من وراثة وظائف آبائهم،
إن ترك أسباب الانحطاط تنخر عند المستويات الدنيا والمتوسطة فى السلم الاجتماعى دون أن يواجه يجعل من الحديث عن وراثة السلطة  حديثا متناقضاً ويجعل موقف المعارضة بالغ الضعف، إذ أن قطاعات عديدة تم إدماجها فى ظاهرة التوريث منذ وقت مبكردون أن يعترض أحد لدرجة أن بعض الشركات تقوم بتعيين أبناء العمال فى وظائف آبائهم عند إحالة الآباء للمعاش!  وهذا ما يجب مواجهته أما الانتخابات فهى مسألة أخرى ويجب أن تمارس فى إطار  قانونى يضمن نزاهتها وحياديتها بغض النظر عن اسم المترشح .


ليست هناك تعليقات: