الاثنين، مايو ٢٥، ٢٠٢٠

28-1-2009 دعم المقاومة لا يعنى الذهاب للحرب



 دعم المقاومة لا يعنى  الذهاب للحرب
                                                                بقلم/ سمير الأمير
  أثبتت الأحداث الأخيرة  أن هناك قدرا كبير من الالتباس يكتنف مفهوم المقاومة  ويرجع هذا الالتباس  إلى حالة الهياج والعصبية التى تصيب معظمنا نتيجة لمشاهد القتل والخراب للمجازر المتكررة التى يتعرض لها الشعب العربى فى العراق ولبنان وفلسطين على أيدى الأمريكان والصهاينة ، تلك الحالة التى تنقلنا من  السياق العادى لحياتنا اليومية إلى قلب تلك الأحداث فننظم المظاهرات والاعتصامات والوقفات الاحتجاجية من أجل الضغط على الحكومات لكى تتبنى أجندة ما أصطلح على تسميته " بالمقاومة"، والمقاومة هنا لا تعنى سوى حزب الله فى لبنان وحماس فى فلسطين ثم المقاومة العراقية ولكن بقدر كبير من الاستحياء لأن كثيرا منا لا يعرف ما هى ملامح تلك المقاومة وإلى أين تذهب بالعراق ؟ ولا يدور بخلدنا أن تبنى الحكومات العربية لمشاريع لم تشارك فى صياغتها هى مسألة غير ممكنة من الناحية العملية وتنم عن قدر كبير من الطفولة السياسية، ومن ثم تجد الحكومات العربية المسماة بالمعتدلة نفسها فى مواجهة الجماهير الغاضبة فتسمح أحيانا بممارسة الاحتجاج بالقدر الذى يظهرها كحكومات ديموقراطية ولكنها تضيق ذرعا إذا ما خرجت الاحتجاجات عن إطارها وعن الهامش المسموح به فتقمعها وتصدر خطابا إعلاميا يدافع عن مواقفها التى ربما تستند إلى معلومات تعرفها بخصوص تنافس القوى الإقليمية على لعب الدور الرئيس فى معادلة الحرب والسلام فى منطقة الشرق الأوسط
 ومن ثم ينشأ نوع من الاستقطاب يكرس حالة  الانفصال بين الجماهير الغاضبة والدولة فى كل بلد عربى مما يفقد تلك الدول مناعتها ويدفع حكوماتها للتمادى فى مواقفها واختياراتها التى تفتقر للتأييد الشعبى لمجرد أنها تشعر أن الناس تتحرك بفعل قوى وحكومات إقليمية أخرى تجابه وتعارض المشروع الأمريكى سواء لإدراكها لخطورته على مستقبل الشعوب فى المنطقة أو لأن تلك القوى تسعى لإثبات أنها أقدر على لعب دور مهم فى المعادلة الإقليمية بشروط أفضل من غيرها،  لكننا لو تأملنا الحالة العربية جيدا سنصل إلى نتيجة محزنة مفادها أن كلا من المعسكرين الممانع والمعتدل يفتقران إلى الحد الأدنى للمناعة الطبيعية التى تؤهلهما لمجابهة المؤامرات الدولية التى تحاك لكليهما، وفى تقديرى أن المعسكرين يمكن أن يكونا قادرين على تحقيق قدر من طموحات الشعوب العربية بشرط أن يدركا أن المقاومة لا تعنى فقط حمل السلاح والذهاب للحرب ولكنها تعنى بالأساس تقوية المناعة السياسية والاجتماعية وتطوير القدرات الدفاعية وتطوير نظام تعليمى يؤهلنا للدخول بقوة فى العصر الحديث كمنتجين وكذا تطوير نظم سياسية ديموقراطية تحقق قدرا من الرضاء الجماهيرى عن الحياة لكى يعرف الناس أن لديهم ما يدافعون عنه ومن ثم نضمن أن مجتمعاتنا لن تصبح عرضة للاختراق والاستهواء والوقوع فى فخ القوى التى تريد أن تحتفظ بنا كقطعان بشرية استهلاكية، ويشكل ذلك فى رأيى قدرا كبيرا من بناء الدولة العربية الحديثة المؤهلة لحماية الجغرافيا والتاريخ والثقافة، ومن المهم أيضا أن تفهم الحكومات التى تدعى أنها تمانع وتقاوم الهيمنة الأمريكية الصهوينية أن كبتها للحريات السياسية وللصحافة المستقلة وحمايتها للفساد يوقعها فى التناقض ويجعلنا نتساءل عن مدى جديتها وعن حقيقة ما تدافع عنه؟
ومع تسليمنا بحقيقة أن الظروف الدولية تلعب دوراً مهما فى تشكيل المنطقة، علينا أيضا أن نعترف أن حالة العجز العربى ليست نتيجة للمؤامرات الخارجية وفقط لأن التخريب الذى لحق بالاقتصاد والتعليم والثقافة هو صناعتنا المحلية بامتياز وإن كان قد تم دعمه وتشجيعه من القوى الدولية فلا يجب أن نلوم إلا أنفسنا لأن تلك القوى تدرك قدر الخسارة التى ستتحملها إن نحن عرفنا كيف نستغل ثرواتنا وموقعنا لمصلحة الشعوب العربية ومستقبل الأجيال القادمة، لقد جاءت الحرب على غزة لتكشف لنا عن مدى بؤس الأداء لدى المعسكرين العربيين وأظهرت افتقارهما لأدنى قدر من التنسيق الذى يدعم الموقف العربى بشكل عام وقد أذهلنى قدر العبارات غير الأخلاقية التى تم التراشق بها و التى دللت على أن الأمل فى مجابهة حقيقية للمشروع الصهيونى يبدو ضعيفا لكون العرب المعتدلين أهدروا الفرصة الذهبية التى أهدتها لهم حماقة إسرائيل للتحلل من الالتزامات المجحفة التى تجعلهم فى نظر شعوبهم مجرد منفذين للسياسة الأمريكية فى المنطقة، ولكون العرب الذين يتبنون الممانعة ركزوا كل هجومهم على مصر والمملكة العربية السعودية   ولعل البلدين حظيا بهجوم إعلامى أكبر من الهجوم على إسرائيل نفسها، رغم أن إدارة الصراع بذكاء كان يتطلب الحصول على دعم البلدين فى الإدارة السياسية للأزمة أو على الأقل إحراجهما عبر المناشدة وليس الهجوم ومن ثم وجدت مصر نفسها فى موقف الدفاع عن نفسها بنفس الطريقة وبدا المشهد وكأن "وصلات الردح" التى تلت اتفاقيات كامب ديفيد قد عادت لتتصدر المشهد، ومضى عشرون يوما قبل أن تدرك مصر أن إسرائيل وليست حماس هى المسئولة عن المجزرة وأن مخطط الترانسفير هو المحرك الأساسى لآلة الحرب الإسرائيلية، وتلقت الحكومة المصرية صفعة أمريكية حين سمحت الإدارة الأمريكية لوزيرة خارجيتها  أن تناقش ترتيبات أمنية للحدود المصرية مع " ليفنى" فى غياب مصر، فكان الغضب المصرى الذى جاء فى إطار شعور الحكومة بأن دورها المحايد فى الصراع قد حصل " على جزاء سنمار"، وأعتقد هنا أن على حكومتنا أن تقتنص تلك الفرصة لا أقول لكى تنقلب على تعهداتها ولكن لكى تدرك أن إسرائيل وأمريكا تسعيان لحرمان مصر من لعب أى دور خارج الإطار الذى ترسمانه والذى ينسجم مع تحقيق أهدافهما فى المنطقة، ومن ثم لا يبقى لمصر أى فرصة لاستعادة دورها الرائد فى المنطقة ولملء الفراغ الذى شجع الطموح الإيرانى الذى دخل المعادلة بقوة بعد احتلال العراق وجعل المنطقة ورقة سياسية فى يد الأتراك يسامون بها فى إطار سعيهم للانضمام للاتحاد الأوروبى وقد لاحظنا كيف أن رجب طيب أردوغان كان يؤكد فى خطابه الشهير أمام البرلمان التركى على كونه يتحدث كحفيد للعثمانيين،
إن دماء الشهداء فى غزة لابد وأن تدفعنا لإعادة النظر فى  مواقفنا من المقاومة   وإلى ضرورة دعم صمودها وتؤكد على أن العرب لديهم إمكانيات كبيرة تؤهلهم للحصول على حقوقهم وتحرير أرضهم ولاسيما أن إسرائيل قد تعرت أخلاقيا أمام كل شعوب العالم وأيقظت بغبائها ضمائر كنا نظن أنها قد ماتت ، و بعد الحرب على غزة لم تعد إسرائيل قادرة على تصدير صورتها  كواحة للديموقراطية محاطة بصحراء يسكنها البدو والإرهابيين، وهذا ما قدمه لنا الشهداء  فماذا بوسعنا نحن أن نقدم للأجيال القادمة؟ فى تصورى أنه ينبغى علينا أن نفهم أن المقاومة  لا تعنى فقط الذهاب للحرب  ، ولكنها تعنى أيضا أن ننشغل ببناء الإنسان العربى الحر الكريم المتحرر من القهر و الجوع و الجهل والمرض، 

ليست هناك تعليقات: