الجمعة، مايو ٢٢، ٢٠٢٠

23-4-2008ثقافة التسول



ثقافة التسول
                                                     بقلم/ سمير الأمير

 أعتقد أن التسول لم يعد مقصوراً على الفقراء والمحتاجين لأنه أصبح ظاهرة تتسع لتشمل هؤلاء المطالبين بحقوقهم وكذلك هؤلاء الذين يحتالون للحصول على ما لا يستحقونه ولذلك لم أندهش كثيراً حين قرأت خبراً فى صحيفة الجمهورية فى عددها الصادر فى 31 مارس 2008 عن عاطل يؤجر أولاده للشحاذين  بحى "السيدة زينب" لاستخدامهم فى التسول مقابل 25 جنيهاً يومياً لكل ولد من أولاده الأربعة، فالحقيقة أنه بات جلياً لكل ذى عينين أن ظاهرة التسول بشكل مباشر وغير مباشر آخذة فى الانتشار فى مجتمعنا بشكل   كبير وقد اتسعت لتضم المرشحين الذين يتسولون أصوات الناخبين مستخدمين ذات العبارات التى يستخدمها الشحاذون بتصرف بسيط فتجد منهم من يستحلفك بأمك وأبيك أن تمنحه صوتك دون أن يقدم لك أى برنامج حيث تعرف جيداً كما يعرف هو أنه لا يستطيع أن يقدم للناس أى أمل فى التغيير، فقط يمكنه أن يعدك بأن يتسول لك تأشيرة تنقلك إلى مكان هو من حق غيرك أو تأشيرة تمنحك ترقية تعرف أنك لا تستحقها أو ربما تستحقها بحكم أقدميتك وبمقتضى القانون ولكنك تعلم أن القانون موجود ربما ليطبق عليك لا لصالحك إن لم يكن تواضعك مشفوعاً بالمسكنة والمذلة وقد حدث فى السنوات الأولى من حياتى الوظيفية أن تقدمت للترقية وكنت الأقدم والأكثر كفاءة وفوجئت بترقية زميلي الأحدث والذى كانت تقارير أدائه الوظيفى أقل منى ولكنه حصل على الترقية فشكوت إلى المدير العام وبدلاً من أن يعاقب المتسبب فى هذا الخلل نصحنى بأن أذهب إلى منزل الأستاذ المسئول مباشرة بدلاً من التحدث إليه فى العمل لأنه كما قال السيد المدير العام رجل كريم وستحرجه الزيارة فوجدتنى أذهب إليه كالشحاذ ولكنه أسمعنى ما لم أتوقعه على الإطلاق مثل" زميلك ده أبوه متوفى وفى رقبته عائلة كبيرة" ولم أحصل على الترقية إلا بعد أن توقفت عن التهديد باللجوء للقضاء وتدخل الوسطاء بعبارات مثل" ده واد غلبان واعتبره زى ابنك"
أقول أن الخبر المنشور في صحيفة الجمهورية لم يشعرنى بأن هناك جديد لأنى أشاهد يومياً العشرات من أمناء الشرطة وعساكر المرور الذين انتهت نوبتهم يوقفون السيارات الخاصة   وأسمع منهم عبارات مثل" مش رايح مصر يابيه؟" " طب والنبى خدنى معاك لغاية الكمين؟ إذن لا سبيل للاندهاش من سلوك هذا الأب لأننا محاطون بالظاهرة من كل جانب.
وليس الأمر قاصراً على الفئات غير المثقفة فهناك الطبيب الذى تذهب إليه فى المستشفى الحكومى فيكتب لك عنوان العيادة فى ورقة يضعها فى جيبك بعد أن يقنعك بأن قيمة الكشف عشرة جنيهات فقط وأنه فى العيادة سيعتنى بك بشكل أفضل نظراً لكثرة المرضى فى المستشفى العام، وأيضاً المدرس الذى يطلب مقابلة ولى الأمر ليقول له أن أبنه ضعيف المستوى وأنه بحاجة إلى تقوية فى المادة وإلا فإنه ربما يرسب فى الامتحان لينتهى الأمر برضوخ ولى الأمر لما يعتقد أنه درس خاص بينما هو فى الواقع نوع من أنواع التسول،
والسؤال الآن هل هناك جذور فرعونية للتسول لأنى ألاحظ وربما جانبنى الصواب أنه حتى لو كان المصرى يطالب بحقه فأنه فى الغالب لا يحصل عليه إلا بوضع قناع المسكنة وقد جاء فى شكاوى الفلاح الفصيح "يأيها المدير العظيم للبيت..ياسيدى ... لا تحرمن رجلاً رقيق الحال من أملاكه" ؟

أم أن ثقافة التسول جاءتنا من الدول العربية الشقيقة؟  فقد حدث ذات مرة بينما كنت أعمل مدرسا فى إحدى الدول العربية أن استدعيت لمكتب مدير المدرسة وفوجئت به يسألنى لماذا رسب التلميذ " فلان" فقلت له أنه لا يهتم باللغة الإنجليزية ويعتبرها لغة كفار وقد حاولت إقناعه بأن يذاكرها فرفض فاستحلفنى المدير أن أغير درجته لكى ينجح فتعجبت وسألته عن سبب إصراره على إعطاء درجات لتلميذ لا يستحقها فقال الرجل أن أم التلميذ اتصلت بزوجته وبكت بكاء شديدا لأن والد التلميذ طلقها وأن ظروف حياتها أصبحت بالغة الصعوبة وتوسلت إلى زوجة السيد المدير أن يغير النتيجة لكى يحصل ابنها على وظيفة فى مكتب البريد عن طريق المحسنين وأولاد الحلال.
فى ذات البلد العربى كان البدو يرفضون بشدة العمل فى البقالات ومحطات الوقود والورش أو المطاعم ومحلات الحلاقة بل كانوا يعتبرون أنه من العار أن يتجرأ أحدهم ويعمل فى تلك الأماكن والغريب أنهم لم يشعروا بأدنى امتعاض عندما كانوا
يجدون "بدوى" يستجدى المحسنين بعد انتهاء صلاة الجمعة أن يساعدوه بالمال لأنه لا يستطيع أن يسدد قسط السيارة "اللاند كروزر"

ليست هناك تعليقات: