الاثنين، مايو ٢٥، ٢٠٢٠

30-10-2008ثقافة رد الفعل- مع الاعتذار للحزب الوطنى وأحزاب المعارضة



ثقافة رد الفعل- مع الاعتذار للحزب الوطنى وأحزاب المعارضة
                                                              بقلم/ سمير الأمير
صرح السيد جمال مبارك مؤخرا للصحف بأن الحزب الوطنى بدأ  الاستعداد لانتخابات 2010 وهى الانتخابات التى ستسبق الانتخابات الرئاسية القادمة  بعام واحد، ومن ثم تكتسب تلك الانتخابات أهمية كبيرة إذ أنها سترسم مستقبل بلادنا لسنوات كثيرة قادمة ولذا يجب على الأحزاب السياسية التى تنضوى تحت ما يعرف  بالأحزاب الشرعية أن تبادر من الآن بالإصرار على فتح حوار حول الضمانات التى تجعل من تلك الانتخابات علامة فاصلة بين مرحلتين، الأولى تتسم بعزوف قطاعات كبيرة من المصريين عن المشاركة نتيجة لما نعرفه جميعا من تجاوزات واضحة وتلك المرحلة يبدو أنها مستمرة حتى الآن إذ لا دليل على تجاوزها سواء فى ممارسات الحزب الحاكم أو ممارسات المعارضة التى تمارس نفس سياسة الإقصاء للمعارضين داخل أحزابها والمرحلة الثانية التى نتطلع إليها بشغف ورجاء هى مرحلة الممارسة الديموقراطية الحقيقية القادرة على بعث الأمل فى نفوس أبناء شعبنا  ومن ثم إعادة تحرير روحه وعقله من أسر جماعات الإسلام السياسى، وتحريره من حالة السلبية التى تشكل البيئة المواتية لانتشار الفساد فى كثير من القطاعات،  وفى واقع الأمر ودون تفاؤل يؤدى إلى تعمية الذات ، لا أجد دليلا واحدا يثبت  جدية الأحزاب المصرية  واستعدادها لخوض تلك الانتخابات بشكل يخرجها عن كونها مجرد ديكور يتم تخزينه فور انتهاء العرض المسرحى الذى لم يعد يثير الجمهور ،
ومن المثير للعجب أيضا أنه بالرغم من امتلاك النخبة السياسية المصرية  فى الأحزاب وخارجها للوعى اللازم للشروع فى الاستعداد لعمل  ذلك التنوير الثقافى  والفكرى الذى يمهد لإرساء دعائم المجتمع المدنى الحديث  حيث يسود حكم القانون  الذى يساوى بين المواطنين فى الحقوق والواجبات ويجعل فرصة مرشحى المعارضة متساوقة تماما مع فرص مرشحى الحزب الوطنى ، إلا أنها ( النخبة) مدفوعة بلا سبب واضح للاشتباك فى معارك فوقية محكوم على نتائجها سلفاً، وذلك بسبب التعامى عن الظواهر فى بدايتها، وانتظارها حتى تصبح واقعاً صلباً يصعب تجاوزه،
  ولنأخذ مثلا ما أصبح معروفا بقضية " التوريث" التى ستتحول فى النهاية إلى نكتة من النكات المصرية التى نقتات عليها كل يوم وذلك يرجع كما أسلفت إلى هذا التعامى الذى يحصر الموضوع فى شخص ابن الرئيس وفى منصب الرئاسة على الرغم من نفى الرئيس مبارك نفسه لجود تلك النية وهو الأمر الذى لايشمل بالضرورة إلغاء أحقية جمال مبارك فى الترشح للمنصب كقيادى فى الحزب الوطنى ويبدو هنا أن المعارضة مدفوعة للتركيز على تلك القضية بوضعها تحت عنوان" التوريث" بنفس الطريقة التى تُدفع بها للمشاركة فى الانتخابات التى تعلم أنها ستخسرها نتيجة لغياب أدنى الضمانات اللازمة للقبول بتلك اللعبة السياسية التى أصبحت مثارا للانتقادات فى الداخل والخارج، والسيد جمال مبارك كما يصرح بعض السياسين من قيادات الحزب الوطنى هو مواطن مصرى يعمل بالسياسة فى هيئة حزبية قيادية ومن حقه أن يتقدم للانتخابات الرئاسية، وهو منطق صحيح تماما، ولكن يبقى أن يكتمل هذا المنطق بأن يكون ذلك الترشح مرتبطا برؤية جديدة تضع نصب عينها أن مصر تذخر بقيادات واعدة أخرى ينبغى أن يكون لها نفس الحق ، ومن الخطأ بل من الخطل أيضاً،  الحديث عن منع جمال مبارك من ممارسة حقه الذى كفله له الدستور كأى مواطن مصرى بحجة أنه ابن الرئيس، الأمر الذى سيجعل المعارضة تبدو وكأنها هى التى تعمل ضد الديموقراطية، ومن هذا المنطلق علينا أن نتوقف عن الكلام بهذا الشكل، ليس فقط لافتقاره إلى أبسط قواعد المنطق، ولكن أيضا لأنه فى النهاية يصب فى مصلحة المرشح المحتمل للحزب الوطنى الديموقراطى  ويشى بأن توليه المنصب مسألة حتمية، وبدلا من ذلك علينا أن نناقش شروط وظروف تلك الانتخابات ونركز على ما يضمن نزاهتها   بالإصرار على الإشراف القضائى الكامل على كل مراحلها، ومن قبل ذلك مراقبة السلوك الحكومى حيالها وضمان عدم استخدام مؤسسات الدولة المملوكة لكل المصريين بكافة انتماءاتهم من قبل حكومة الحزب الوطنى لدعم وتأييد مرشح حزبها بغض النظر عن كونه جمال مبارك أو شخصا آخر  ومن الضرورى أيضا أن تبدأ النخبة السياسية فى فتح حوار حول المرشحين المحتملين للمعارضة وأن تبرز تلك الشخصيات العامة التى تتمتع بقدر كبير من احترام المصريين لكى لا يشعر الناس بعدم قدرة المعارضة على المنافسة  أو بنضوب الواقع السياسى وافتقاره إلى المؤهلين للترشح لمنصب الرئاسة، لأن ذلك - فى اعتقادى- هو ما يتم الترويج له الآن، ومن ثم يجب التنبه له بدلا من الانجرار إلى قضية تجعل المعارضة تبدو وكأنها هى التى تمارس المنع والإقصاء السياسى للمواطنين الطبيعيين وتجعل حكومة الحزب الوطنى تبدو وكأنها الحمل الوديع، بينما تنشغل المعارضة   بما يمكن تسميته " بثقافة رد الفعل" لأن " الفعل" ينشأ هناك على الجانب الآخر فيصيبها بالعصبية والتعصب و من ثم الاندفاع إلى الركن الذى يمكن الخصم السياسى من توجيه الضربة القاضية لها، إن المعارضة المصرية إذ تضع نفسها فى هذا التناقض تشبه الطالب الذى يؤجل مذاكرته طوال العام ثم لا يشرع فيها إلا بعد أن تنشر الصحف جدول الامتحانات وقد ذكرت المثل السابق لأدلل على إهمالنا وخيبتنا حيال ما يسمى بقضية "التوريث" التى أصبحت بتغافلنا ضاربة الجذور فى عمق التربة المصرية والتى كان ومازال يجب علينا أن نواجهها فى مستوياتها عند سفح وأواسط الهرم الاجتماعى  حيث تتلامس مباشرة مع مصالح البسطاء فى ربوع مصر وبالتالى كان ومازال من المفترض أن نكون أكثر انزعاجا ورفضا حيال التأثيرات المباشرة لظاهرة توريث الوظائف العامة  ووظائف هيئات التدريس بالجامعات المصرية، فكلنا يعلم كم أهدرت عقول فذة لا لشىء إلا لكى يتمكن أبناء الأساتذة وأبناء القضاة ورجال البوليس ورؤساء مجالس الإدارات من وراثة وظائف آبائهم،
إن ترك أسباب الانحطاط تنخر عند المستويات الدنيا والمتوسطة فى السلم الاجتماعى دون أن يجابه ويواجه يجعل من الحديث عن وراثة السلطة السياسية حديثا متناقضاً ويجعل موقف المعارضة بالغ الضعف والهشاشة، إذ أن قطاعات كبيرة من المجتمع تم إدماجها فى ظاهرة التوريث منذ وقت مبكر لدرجة أن بعض الشركات تقوم بتعيين أبناء العمال فى وظائف آبائهم عند إحالة الآباء للمعاش!  وهذا ما يجب تأمله أما الانتخابات فهى مسألة أخرى ويجب أن تمارس فى إطار  قانونى يضمن نزاهتها وحياديتها بغض النظر عن اسم المرشح وهذا هو ما يجب فى تقديرى أن يثار فى الفترة القادمة لأن القبول بتلك الانتخابات من قبل الجميع هو مقدمة للقبول بنتائجها وهو ما يمكن أن ينفى فكرة التوريث  عند المؤيدين والمعارضين .

ليست هناك تعليقات: