الجمعة، مايو ٢٢، ٢٠٢٠

11-7-2008مداخلة حول بعض أطروحات الكاتب " مهدى بندق"



____________________________________________________
                                            المقال
مداخلة حول بعض أطروحات الكاتب " مهدى بندق"  فى مقالاته بجريدة القاهرة

                                                          بقلم/ سمير الأمير

      للمثقف الكبير مهدى بندق فى قلوبنا مكان ومكانة فهو يباغتنا دائما برؤى مثيرة تدفعنا لتأمل ما استقر فى عقولنا من أفكار قد نعتقد أنها من المسلمات التى لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها إلا أنني ألمح أحياناً تطابقاً هو بالتأكيد غير مقصود بين ما يدعوننا إليه وما يتردد على ألسنة بعض المنزعجين من وجود حركات لمقاومة المشروع الأمريكى فى المنطقة وقد سبق أن قرأت له مقالاً فى جريدة القاهرة ينبهنا فيه إلى ضرورة الحذر من" حزب الله" اللبنانى على خلفية أن أجندته إيرانية ويلفت أنظارنا إلى تبعية "حسن نصر الله" لإيران الأمر الذى يتناقض مع ما طرحة فى مقاله فى العدد 415 من جريدة القاهرة والذى يطالبنا فيه بحذف كلمة "عميل" من قاموس خطابنا السياسى لكى تصبح مصر "دولة ثقافة" على حد تعبيره، والحقيقة أننى لم أفهم على وجه التحديد معنى مصطلح " دولة ثقافة" فكل دول العالم لها ثقافات و فى اعتقادى أن مصر ظلت على مدى تاريخها دولة منتجة للثقافة بغض النظر عما يحدث من تراجعات أو غياب نسبى بسبب خضوع الثقافة والمثقفين لما هو سياسى أو بسبب أوضاع المصريين الاقتصادية التى دفعتهم للعمل ببلدان النفط ومن ثم ما حدث من استلاب مؤقت للعقول المصرية لصالح الثقافة أو إن شئنا الدقة لصالح أساليب الحياة البدوية وأنا أسميه" الاستلاب المؤقت" لأنه من المستحيل فى رأيى أن تتمكن المجتمعات الصحراوية من ممارسة تأثير عميق يؤدى إلى تغيير جوهرى فى الشخصية المصرية التى صاغها نهر النيل على مدى ألاف السنين، ونظرة فاحصة إلى   الفلاحين فى القرى تكفى لتدلل على استمرارية الثقافة المصرية بأوجهها المتعدة وتثبت أن المصريين وهم يمرون الآن بظروف بالغة الشدة مازالوا قادرين على إعادة إنتاج الحياة ومقاومة الفناء ريثما تتحسن الظروف العالمية والداخلية المحيطة بهم ليعاودوا الانطلاق من جديد، وعلى سبيل المثال:- تضحى الأسر المصرية بالرخيص والغالى للإنفاق على التعليم رغم ما يعصف بهم من ظروف مادية بالغة الصعوبة ورغم يقينهم بأن فرص العمل أصبحت نادرة وأنه حتى فى حالة حصول الأبناء على عمل فلن يكون العائد المادى فى كثير من الأحيان مساوياً لما أنفقوه على التعليم، وهذا فى تقديرى دليل على استمرار ذلك الإرث الحضارى الذى يقدس العلم لدى بسطاء المصريين رغم ما حدث من تراجع نسبى للدور المركزى للثقافة المصرية فى المنطقة العربية لأسباب لا تخفى علينا ولا يتسع المجال لمناقشتها،
      إننى أيضاً أختلف مع ما ذهب إليه المفكر الكبير مهدى بندق حول ما أسماه " الانعتاق الثقافى" الذى قرنه بمفهومه عن" دولة الثقافة" والذى قال أنه( الانعتاق الثقافى) يتطلب فتح فضاءات الحرية أمام كل العقائد والمذاهب، نعم لا خلاف حول ضرورة الحرية ولكننى أخشى أن تكون فكرة الانعتاق هى دعوة لكى ننعتق مما يشكل ملامحنا الرئيسية، فنحن أمة لديها ما تفخر به وتباهى به العالم وقد ساهمت فى فترات نهوضها فى تقدم البشرية وكانت قوتها إضافة للتراث الإنسانى ولم تكن خصماً منه كما نشهد الآن ما تفعله إمبراطورية الشر الجديدة التى تتشدق بحقوق الإنسان وبقيم الحرية بينما هى فى الواقع تدعم تراجعات الفكر فى أوطاننا وتقدم زخماً غير مسبوق لما تسميه (الإرهاب) الذى جاء فى البداية بدعمها المباشر إبان الحرب الباردة مع المعسكر الاشتراكى ثم أصبح رد فعل طبيعى جداً لإرهابها فى فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال، ورد فعل مباشر أيضاً لدعمها للاستبداد والطائفية فى العالم العربى، من هنا لا ينبغى إذن أن نتوقف عن استخدام كلمة " عميل" ولاسيما حين تكون المواقف محددة وواضحة لأن الحرب لم تنته طالما بقيت كل مشاريع السلام حتى الآن مجرد حبر على ورق وطالما أن إسرائيل مازالت تحتل الأراضى العربية وتمارس على الشعب الفلسطينى كل أساليب القتل والهدم والحصار ولا يصح إذن أن نكون متسامحين إلى الدرجة التى تجعلنا ننظر إلى العمالة وخيانة الأمم على أنها وجهة نظر أو وجها من وجوه الثقافة، لأن ذلك يفقدنا ما تبقى من مناعتنا،
    هناك أيضاً من الأفكار فى نفس المقال التى أرى أنها جديرة بالمناقشة ولاسيما الدعوة إلى أن تتخلى مصر عن ميراث عصور كانت فيها بتعبير الأستاذ مهدى "أشبه بالجارية لدى الغير" ويشتم من هذا الكلام أن المقصود هى عصور سيطرة العرب على مصر باسم الدين الاسلامى و أنا أتفق إلى حد كبير مع الأستاذ " مهدى " فى أن تلك العصور شهدت بالفعل الكثير من المظالم ولكن ما لا أستطيع قبوله هو وصوله إلى نتائج ربما تكون غير صحيحة عبر مقدمات لا نختلف عليها لأن التعريب الذى تم قسراً فى كثير من الأحوال لا يعنى رفض العروبة التى ارتبطت بالكفاح ضد الاستعمار وبإدراك العرب أنهم أمة واحدة، أعنى أن العروبة كانت اختيارا ارتبط بظروف تاريخية موضوعية- لقد علمنا القهر الاستعمارى فى الماضى- كما فى الحاضر- أننا أمة واحدة، والحقيقة أننا نشهد الآن استقطاباً حاداً بين فكرتين هما عروبة مصر ومصريتها واعتقد أن أفضل الآراء فى هذه القضية هو أن مصر كالماسة لها عدة أوجه ولا يمكن النظر إليها من وجهها العربى أو القبطى أو الفرعونى فقط لأنها كل ذلك معاً وهذا الاحتراب الفكرى بين أنصار العروبة وأنصار المصرية ليس فى صالح الثقافة المصرية بأى حال من الأحوال لأنه يفككها ويرجعها إلى عناصرها الأولية ويفقدها سمة التعدد التى تميزها،
    من اللافت للنظر أيضاً دعوة الأستاذ "مهدى بندق"  للمعارضة بأن تتوقف عن إهانة خصومها( وعلى رأسهم بالطبع الحكومة)!! والنصيحة مشوبة بالتهديد لأنه يقول بالنص "عليها أن تتوقف" طواعية" قبل أن يصدر قانون الإرهاب"، والحقيقة أننى أستغرب هذا من مثقف مثله يدعو إلى فتح فضاءات الحرية، بل أنى أربأ به أن يرتدى زياً بوليسياً وهو أحد مثقفينا الكبار،
   بقى أن أكرر أن اختلافى مع الأستاذ" مهدى بندق" لا ينفى تقديرى للدور الجاد الذى يقوم به فى التنوير سواء فى مقالاته المثيرة للنقاش بجريدة " القاهرة" أو عبر مجلة " تحديات ثقافية" التى يرأس تحريرها.

ليست هناك تعليقات: