الجمعة، مايو ٢٢، ٢٠٢٠

3-5-2008أين ذهبت ليبرالية الليبراليين؟



أين ذهبت ليبرالية الليبراليين؟                   بقلم/ سمير الأمير

أتابع باهتمام ما يكتبه بعض الليبراليين المصريين عن حركات الإسلام السياسى كالإخوان المسلمين فى مصر وحزب الله فى لبنان وحركة حماس فى فلسطين ورغم اتفاقى مع كثير مما يطرحونه حول أسباب نشأة تلك الحركات و أسباب استحواذ بعضها على عقول قطاع كبير من أبناء الوطن إلا أننى لا أستطيع أن أخفى قلقى وانزعاجى من التعميم الذى يعتمده هؤلاء الليبراليون وعدم قدرتهم على إدراك التمايزات بين تلك الحركات من حيث خطابها السياسى ورؤيتها للوطن والمواطنة ودرجة تقبلها للآخر ومدى انخراطها فى المشروع الوطنى العام وعلاقتها بالحركات السياسية الأخرى من قوميين واشتراكيين ودرجة اقترابها أو بعدها عن أنظمة الحكم القائمة فى بلدانها ورغم أن الليبرالية هى مدرسة الحرية بلا منازع ومن المفترض أنها تشكل فى جوهرها قيم التسامح والحوار والبحث عن نقاط التقاء حول مشروع عام للحياة المشتركة بين كل الرؤى والمدارس دون اعتماد الأسلوب الإرهابى الذى تقع فيه جماعات الإسلام السياسى حين تتهم من يخالفونها بالخروج عن الدين ولا الأسلوب الذى ينتهجه القوميون عندما يصبح كل من ينتقدهم عميلاً للإمبريالية والصهيونية، أعنى هنا أن الليبرالية كما أفهمها هى عقلنة هذا الصراع الفكرى وهى ضمانة لأن يظل فكرياً ولا يتحول إلى معارك وحروب أهلية بين أبناء الوطن الواحد ولكن يبدو أن الليبراليين العرب وبرغم تشدقهم بكلمة الحرية قد وقعوا فى نفس الفخ العنصرى إذ هم أيضاً يتصورون أنهم يمتلكون كل الحقيقة وخطابهم أيضاً ليس دعوة الآخرين للحوار حول القضايا العامة بغية الوصول إلى حالة وطنية يقبلها الجميع وتتعايش وتتجاور فيها الأفكار ولكن الملاحظ أن ما يسمى بالخطاب الليبراليى هو أبعد عن جوهر الليبرالية بل ربما أكثر بعداً من كل هؤلاء الذين يعتبرهم الليبراليون السبب الرئيسى لتخلف أمتنا من المحيط للخليج   متجاهلين أن صعود الحركات الإسلامية كان نتيجة منطقية لفشل النظم القومية والاشتراكية فى العالم العربى من جانب ناهيك عن رغبة القوى المهيمنة والرأسمالية العالمية فى استبدال فكرة تكامل الحضارات والتعايش السلمى التى تحجم استغلالها وتقيد طموحها فى السيطرة على الشعوب بفكرة تمكنها من استخدام القوة لتحقيق مصالحها عبر إذكاء مقولة صراع الحضارات من جانب آخر، إن نظرة ممعنة فيما يكتبه الليبراليون تثبت أنهم لا يختلفون قيد أنملة عن الراديكاليين والأصوليين بكل أطيافهم بداية من أصولي الفكر القومى مرورا بإصولى الفكر الماركسى وانتهاءً بالأصولية القبلية والعائلية التى يبدوا أنها أصبحت من سمات المجتمع العربى المركزية وتبدأ تلك الأصولية العائلية عند القمة بالرغبة فى توريث السلطة للأبناء، ثم الرغبة فى توريث الوظائف العامة المؤثرة كالقضاء والبوليس والتدريس فى الجامعة لتصل فى أدنى مستوياتها الاجتماعية إلى رغبة أقل موظف عام فى الجهاز الفنى والإدارى فى تعيين أحد أبنائه فى ذات المؤسسة التى يعمل بها قبل أن يحال على المعاش، أود أن أقول أن هناك حالة مسيطرة تجعل من معظم المدارس الفكرية فى المجتمع العربى منصات للإرسال وللتعميم وللدمغ ولتصدير حقائق لا يجوز اختبارها والشك فيها،
 والسؤال الآن هل الليبراليون العرب يشكلون " رمانة الميزان" بمعنى هل يقفون على مسافات متساوية من القوى السياسية والفكرية والدينية التى تمارس الاستقطاب بدرجة تنذر بتقويض مفهوم الدولة الوطنية؟ أم أن هؤلاء الليبراليين متورطون فى لعب دور استفزازى يساعد على   جعل عملية الاستقطاب أكثر حدة وتمزيقاً لوحدة الأوطان وبالتالى يهدفون إلى الوصول بقصد أو بدون قصد إلى تقويض دعائم الدولة الوطنية لصالح مشاريع مشكوك فى أهدافها منذ البداية مثل مشروع الشرق الأوسط الكبير الذى لا يعنى سوى سيطرة أمريكا وحلفائها على ثروات المنطقة وتعظيم دور الدولة الصهيونية ودعم تفوقها الاقتصادى والعسكرى ضماناً لتلك السيطرة، أغلب الظن أن الافتراض الأخير هو الأكثر احتمالاً ولنأخذ مثلاً مسألة فى غاية البساطة مثل قضية الحجاب التى هى فى التحليل الموضوعى مسألة شخصية لا يجب على الإطلاق التركيز عليها كما يحدث اليوم وليقل لى أحد ما الفرق الجوهرى فى أسلوب تفكير الإسلاميين المتشددين الذين يفرضون الحجاب فرضاً والليبراليين المتحررين الذين يرغبون فى منعه قسراً؟  أو بين من يسمون كل حركات المقاومة الإسلامية بالإرهاب  وبين من يتهمون كل ما عداها بالخروج عن منهج الله؟
هل أنا بحاجة لتأكيد اعتقادى أن الليبراليين العرب ولا سيما" الجدد" لا يمتون لتراث الليبرالية الحقيقى بأدنى صلة وأن حالة التشدد والتطرف تتملك معظمنا وتشتت أهدافنا وتجعلنا منا أدوات فى أيدى قوى دولية تريد لنا أن نظل قابعين عند أسفل درجات سلم الحضارة؟

ليست هناك تعليقات: