الاثنين، مايو ٢٥، ٢٠٢٠

3-7-2009 فى أى الغرقين نموت؟



------------
 فى أى الغرقين نموت؟
                                                      بقلم/ سمير الأمير
لم يعد لدينا فى مصر إلا الاختيار بين غرقين، غرق شرعى ينتهى ببراءة المتسببين فيه وغرق غير شرعى ينتهى بإدانة الغرقى، فى الغرق الأول لم يعد المرء قادرا بحكم القانون أن يعلق على حكم ذلك القانون رغم افتقاره إلى أبسط قواعد المنطق، من هذا المنطلق سأركز اهتمامى على الغرق غير الشرعى إيثارا للسلامة واحتراما لما لا ينبغى احترامه وهذا هو الجبر الذى يتخذ شكل الاختيار  بين موتين،
ولذلك فإنى أعتقد أن كارثة غرق الشباب لن تتوقف طالما بقى حلمهم الوحيد هو الرحيل إلى البلدان الأوربية و سنظل نسمع عن حوادث الغرق وعن المآتم والمآسى الجماعية فى القرى والمدن التى هرب منها هؤلاء الشباب، بل ربما تعتاد قلوبنا الفجائع فنصبح أقل إحساساً وأكثر تبلداً و لن تتغير أحوال هؤلاء الشباب الذين فقدوا الأمل فى الحصول على عمل يوفر لهم الحد الأدنى من الحياة الكريمة بعد أن شاهدوا آباءهم وقد أصبحوا عاطلين يتقاضون معاشات الخصخصة، أقول أن أحوالهم لن تتغير حتى يعرفوا أن عليهم أن يكافحوا بشتى الوسائل للحصول على حقهم فى  فرص العمل الكريم هنا فى وطنهم ، وكما  يقول الروائى والفيلسوف العظيم كزانتزاكيس" الحرية ليست كعكة تهبط من السماء إلى أفواه الجائعين ولكنها قلاع تقتحم"، ففى أكثر الدول الرأسمالية تقدما يدور صراع يومى من أجل الحصول على العمل وعلى الأجر المناسب ونتيجة هذا الصراع يحصل العمال وباقى فئات المجتمع على حقوقهم ، المشكلة عندنا أننا نريد الحرية والعمل والسكن دون أن نكافح من أجل انتزاعهم، بل نستسهل الموت غرقاً بعيداً عن مواجهة الواقع فى بلادنا وقد عودتنا ثورة يوليو وأخواتها العربيات  أن هناك من سينوبون عنا دائما فى الحصول على حقوقنا الاقتصادية، ولم تستطع النخبة أن تجعل الشباب يعى أن النظم السياسية تمثل مجموعة مصالح لطبقات معينة وأنها معنية فقط بالدفاع عن تلك المصالح فى مواجهة مصالح الطبقات الأخرى، وبالتالى فإن حوادث الغرق لا تشكل أى هم لتلك الحكومات ، إذ لا سبيل إلى استعطاف الطبقات بعضها البعض، فتاريخ البشرية هو تاريخ صراع وما النظم السياسية والاقتصادية إلا تعبير عن هذا الصراع حتى وأن حاولت الادعاء أنها تمثل الجماهير بكل طبقاتها، فليست الصراحة والوضوح من ركائز العمل السياسى حتى فى أكبر ديموقراطيات الدنيا ولا يصح أبداً أن تخدعنا تلك الشعارات التى تتشدق بها الحكومات بخصوص  حماية محدودى الدخل و توفير فرص العمل  لأنها مسائل نسبية وليست مستقلة عن صراع المصالح فى المجتمعات  رغم إدراكي  أن الشعوب المتقدمة استطاعت أن تجعل من تلك الشعارات واقعاً صلباً يصعب على النظم السياسة هناك تجاوزه   ولكن الأمر يبدو مختلفاً حين نتحدث عن دول العالم الثالث ولاسيما الدول العربية، إذ يتم تزييف الوعى بحقيقة الصراع  عبر وسائل ملتوية ، بالإضافة إلى خلق وترويج نموذج المهاجر المكافح الذى سيعود من أوربا مليونيراً ،ولم لا ألسنا مضطرين جميعاً للهرب من الفقر إلى النقيض بعد انهيار الطبقة الوسطى الذى جعل الشباب بين خيارين اثنين، إما أن يكونوا مليونيرات أو فقراء معدمين وفى تقديرى أن هذا هو سبب جرأتهم على البحر!!  
إن الذهاب للعمل فى إسرائيل أو الغرق قبل الوصول إلى إيطاليا لا يشكل أى ضغط على حكومات قررت أن تتخلص ممن تعتبرهم عمالة زائدة فى المصانع و زيادة مزعجة فى السكان؟ فحكومات البيزنيس تلك لا يهمها سوى ما يعرف بالتشغيل الاقتصادى لوحدات الإنتاج  الذى يهدف فى جوهره إلى تقليل تكلفة إنتاج السلع وتحقيق ربح يشجع الاستثمار، ويخطأ من يظن أن  الحكومات التى تتبنى ما يعرف زيفاً بالإصلاح الاقتصادى معنية بحل مشاكل البطالة والصحة والتعليم، لأن حل تلك المشكلات يقوض فى رأيها الذى _لا تعلنه_ آفاق الاستثمار ، 
    وخلاصة القول  أن هناك تعمد لتخريب الوطن عبر تصفية المؤسسات العامة، بما فيها المؤسسات الخدمية حيث لا تؤمن الرأسماليات العربية الشائهة بقطاع الخدمات  وكذلك لاتؤمن بأهمية العائد الاجتماعى للعمل بعيدا عن حسابات الربح والخسارة، لأنها تعتقد أن كل شىء "سلعة" لابد أن تحقق ربحا ولا يقابل هذا التخريب قدر من المقاومة تمكننا من الحفاظ على الحقوق التى تضيع الآن بعد أن عادت سيطرة رأس المال على الحكم، والمؤلم أن شبابنا فى معظمه فقد الإيمان بقيمة الكفاح داخل الوطن ووجد فى الهجرة لأوربا حلاً، فراح الآباء يبيعون البيوت وما تبقى من "قراريط" قليلة ليدفعوا تكاليف رحلة تنتهى بأبنائهم  إلى الموت غرقاً فى غالب الأمر ليصدق المثل الشعبى المصرى  الذى يلخص المأساة  بعبارة " موت وخراب ديار"
  وفى ظنى أنه على شبابنا الذين يهربون من مواجهة ومجابهة هذا الواقع تاركين الوطن يغرق بعد أن قرروا النجاة بأنفسهم, عليهم أن يجربوا الكفاح  داخل أوطانهم من أجل أن يحصلوا على حق العمل  والسكن والعلاج ، أى أن الأمر يتطلب محاولة النجاة هنا أو الغرق هنا بدلاً من الغرق فى المياه الدولية أو الغرق فى مجتمعات تعتبرنا مواطنين درجة ثانية.

ليست هناك تعليقات: