أمريكا... تدمير الإنسان وتدليل الكلاب
بقلم/ سمير الأمير
ربما لم تكن ««آن جونسن,»» الفتاه الامريكيه التي كانت تدرس لي مادة الصوتيات في
جامعه المنصوره في مطلع الثمانينيات, تدري ان مؤلفات البروفسير ماكس ليرنر التي أهدتها لي لن
تغير من رؤيتي للولايات المتحدة وربما كان ذلك ناجما عن جهل آن جونسون بالاسباب
الحقيقية لمواقف طلاب الجامعة المصريين المعادية للولايات المتحدة, لأنها كانت تظن
في الغالب أننا كطلاب متحمسين ننطلق من مواقف تعبر عن انتمائاتنا الأيديولوجيه
لليسار أو للإسلام السياسي, والمؤكد أنها لم تدرك لا هي ولا غيرها من أعضاء بعثة فولبرايت أن الأمر برمته يرجع الي سياسات
الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ودعمها المطلق لعدوان اسرائيل وصلفها وتجبرها ووقوفها
في وجه أية محاولة من جانب الدول العربيه للاستقلال الحقيقي والتنمية المستقلة
وقد قطعت علاقتي بـ آن جونسن بعد ان عنفتها في رسالة بريدية بسبب قيامها بزيارة إسرائيل
الامر الذي إستغربته هى وأرسلت لي خطابا تقول فيه ان القاعدة العامه أن الحكومات
لا أخلاقيه وان حكومة اسرائيل ليست استثناء, ولا داعي هنا ان أقول ان موقفي كان
انفعالياً في ذلك الوقت لأن آن جونسن في النهاية ليست مضطرة لتبني نفس المواقف
السياسية لطلابها المصريينالمهم أن هدية آن جونسن ظلت قابعة في مكانها بين الكتب الأخري
علي الأرفف طوال العشرين سنة الماضية, ولكن بعد الغزو الأمريكي الهمجي للعراق وجدتني مدفوعاً برغبة ما
لقرائة تلك الكتب, .. وفي مقال له بعنوان صورة مع الجنود في المجلد الثاني من
موسوعته (الحضارة الامريكيه) يري
ماكس ليرنر الكاتب الامريكي أن الحضارة الأمريكيه لا يمكن اعتبارها حضارة عسكرية كما لا يمكن النظر الي
المجتمع الأمريكي كمجتمع عسكري, غير أنه يعتقد أن الامريكيين محاربون بارعون إذا
ما دعتهم الضرورة, ولكن رؤية( ماكس ليرنر) تنطوي علي تناقض بالغ, لا سيما أنه
يعترف بأن الشعب الامريكي يحتفي بالعسكريين أكثر من احتفائه بالقضاة والفنانين
والعلماء والقساوسة, ثم يعود ليرنر ويؤكد وكأنه يعلم أننا قد نكتشف ذلك التناقض
في رؤيته, يؤكد أن الأمريكيين لا يشعرون بالفخر حيال ما يقوم به جيشهم من أعمال عسكرية
وبطولات وأنهم لا يحبون الحرب ولا يسمحون لشعورهم بالتفوق والضخامة كشعب أن
يعتمد علي أعمال ومغامرات الآلة الحربية الامريكية, ويري ليرنر أن بني جلدته مشاكسون
ومولعون بالمجابهة لكن ذلك فقط في الإطار الذي تعبر عنه( مارجريت ريد ) بوجود الإستعداد
الدائم للمشاجرة كسمة أساسية من سمات الشخصية الامريكية ويعتقد ليرنر أن كون
الأفراد مشاكسين لا يعني أن الامريكيين عدوا نيون كشعب أو أنهم يشكلون مجتمعاً يمكن أن
يوصف بأنه مجتمع عسكري, والحقيقة أن انشغال
( ليرنر) بنفي تهمة العدوان عن مجتمعه لا يؤدي سوي لتأكيدها, صحيح انه ينطلق من مقدمات حقيقية لا يمكن تجاهلها غير أنه
يصل الي نتائج تتناقض تماماً مع تلك المقدمات ويستعين( ليرنر) في تفسيره لما
يسميه بالروح المضادة للعسكرة في الحياة الأمريكية بالمفكر( دي توكفيل) الذي يري أن
ذلك يرجع الي تقديس الأمريكيين لمبدأ المساواة ويقول أنه في المجتمعات الأوروبية الأخري
كانت فرصة الانتقال من طبقة اجتماعية إلي أخري في الحياة المدنية ضئيلة جداً, لأن الجيش كان يشكل
الطريق الوحيد للحراك الإجتماعي ومن هنا حسب تصور
( دي توكفيل ) كان إصرار الأمريكيين علي التمسك بالسلام كونه يشكل المجال العام الذي
يزدهر فيه مبدأ المساواة بين أفراد الشعب ولذا يري( دي توكفيل) أن الحياه العسكرية
لا تشكل مطمحاً للامريكيين لأنها ليست الطريق الوحيد للحراك الإجتماعي, لكن ما حدث
في حرب الخليج يدحض النتائج التي وصل اليها كل من (ليرنر) و(دي توكفيل) وإن كنت أتفق
معهما في المقدمات, لكننى اتسائل كيف يتحقق مبدأ المساواه بين أفراد الشعب الأمريكي في ظل
التجبر الأمريكي العسكري في العالم الذي جعل الإدارة الأمريكية تتعامل مع دول
كالمانيا وفرنسا إبان حرب الخليج بطريقه أقل ما توصف به أنها مهينة وكيف تزدهر الحرية والمساواة بينما
يعامل الامريكيون الشعوب الأخري وكأنهم قطعان برية يجب ترويضها وإدخالها الي
الحظيرة تماماً كما يفعل الكاوبوي في أفلام الويسترن؟, فهل قرأ (ماكس ليرنر) كتاب
(الينا مودرجيسكايا) "اللينينية ومعركه الافكار"؟ اذ تقول" "ومن السمات
المميزه للمفكرين البرجوازيين أنهم لا يوجهون اهتمامهم الحقيقي إلي مضمون أفكارهم أو صدقها بقدر ما
يهتمون بالنتائج الدعائية التي تترتب علي انتشارها".. من المؤكد أنه قرأ ذلك
ومن الجائز أيضاً أن يكون تساؤلي راجعاً إلي السذاجة الفكرية التي لا أعاني منها وحدي بل
معظم ابناء وطني العربي الذين مازالوا يعتقدون أن العدوان الامريكي علينا يرجع الي أننا
لم نستطع ان نقنعهم بعدالة القضايا العربيه.. إن الذين يراهنون علي الدور الامريكي ويصدعوننا بمطالبة الولايات المتحدة بعدم الكيل بمكيالين هم
واهمون, تماماً كما ان الأسد الذي تسنح له الفرصة لافتراس الحمار سيكون غبياً إذا
استمع الي مناشدة الحمار له بأن يكون أسداً نباتياً وبأن يشاركه طعامه بدلاً من أن يأكله,
أيها العرب العاربة, والمستعربه والبائدة إن الامريكيين لا يدللون ضحاياهم
ولكنهم يدللون الكلاب والقطط عوضاً عن ذلك, ومعذرة يا آن.. حتي الأرفف لم تعد
قادرة علي حمل هديتك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق