أعيدوا للدولة المصرية هيبتها
بقلم/ سمير الأمير
مللنا
كثرة الكلام عن حالات الفساد ولم تعترف
حكومات الحزب الوطنى المتعاقبة بأنه أصبح بفضلها قاعدة عامة وجاءت حالة الدكتور
رؤوف حامد ( أستاذ علم الأدوية الذى أستبعد من الهيئة القومية للرقابة و البحوث الدوائية) لتؤكد أن
الحكومة تعرف كل شىء ولكنها" تطرمخ" على الفساد لأنها تعلم بخبرتها أن وجودها
مرتبط به ارتباطا عضويا، ولو تأملنا واقع
الحال فى أى مؤسسة من مؤسسات الدولة المصرية فى العقدين الماضيين سنجد أن الفاسدين
هم الأعلى يدا والأقوى تنفذا،أما الشرفاء فهم فى غالب الأمر مقهورون ومحاصرون
ومدفوعون إلى أدنى السلم الوظيفى وكأن البطحة على رؤوسهم هم،لقد انقلبت الأمور
لدرجة أن الأخلاق والشرف أصبحا عقبتين فى طريق الترقى وانعكسا سلبا على قيمة ما
يحصل عليه الموظف الشريف طالما أن حجم المكافآت فى مصر يفوق حجم المرتبات ، الأمر
الذى أطاح بقاعدة "الأجر مقابل العمل" لتحل محلها قاعدة
جديدة وهى " الأجر مقابل الولاء"، كم من موظف تم نقله من موقعه لكى
يتعذب فى المواصلات لا لشىء سوى دعمه لمرشح من المعارضة أو المستقلين؟ وفى المقابل
كم من المنافقين تمت ترقيتهم لمناصب لا يستحقونها بغض النظر عن ضعف إمكانياتهم لا
لشىء سوى أنهم من "المتعاونين" كما يحلو لبعض " الأجهزة" أن
تسميهم؟، إن أخطر ما حدث نتيجة لذلك هو أن سيادة القانون أصبحت خروجاً على النظام
العام (غير المكتوب)، مما أدى إلى خلق الظروف المواتية لاستشراء الظاهرة وجعل من
الكلام والتصريحات الخاصة بمحاربة الفساد ضربا من التعتيم على الظروف العامة التى
يعيشها المصريون والتى تشكل البيئة الخصبة لانتشار ظاهرة الفساد بغض النظر عن تشدق
المسئولين بأنهم لا يتسترون على حالات الفساد وذلك إرضاء للرأى العام الساخط حول
قضايا لم تكن حكومات الحزب الوطنى قادرة على تجاوزها لكونها واضحة للعميان ولا
ينفع معها تستر،
إن
الأمثلة على انتهاك القانون فى مصر لا تحصى ولا تعد، الم تلاحظوا أن أحكام القضاء
التى تصدر لصالح الأغنياء يتم تنفيذها فور صدورها باستخدام القوة بينما يتعذر
تنفيذ الأحكام التى تصدر لصالح الفقراء بحجة الدواعى الأمنية أو بحجة عدم وجود
القوة وكفايتها؟ مما أدى إلى فقدان هيبة واحترام جهاز الشرطة وأقول"هيبة
واحترام" لان الخوف من البطش والتعذيب مسألة أخرى، لقد كانت أقسام البوليس أماكن
يلجأ لها الناس عندما لا يستطيعون تسوية خلافاتهم وتجنبا لخيارات العنف فيما
بينهم، و إننى أتذكر عبارات كانت تجرى على السنة المتنازعين مثل" خلاص يا عم
تعالى بينا على القسم واللى يحكموا بيه يمشى" كان ذلك يحدث لأن المواطن لم
يكن يشك فى انحياز جهاز الشرطة لأى طرف من الأطراف وكان هذا هو المصدر الحقيقى
للاحترام والهيبة اللذين كان المواطنون يشعرون بهما تجاه جهاز وطنى شارك فى الكفاح
ضد الاستعمار الانجليزى،
إن من أكثر صور انتهاك القانون العام المستفزة
للمشاعر أيضا أن بعض سيارات ذوى النفوذ من رجال النيابة والقضاء والسادة الضباط
تحمل لوحاتها أرقاما متناهية الصغر ولا تكاد تقرأ مما يعنى أن تلك السيارات تستطيع
أن (تبرطع) فى الشوارع دون التزام بقواعد المرور وربما تصيب أو تقتل أحدا من المشاة
وتفلت من دون عقاب لأنه يستحيل على رجل المرور أو أى مواطن أن يلتقط أرقامها، هل
نحن بحاجة أيضا هنا للربط بين التجاوزات التى تكتنف العملية الانتخابية من تزوير و
استخدام لجهاز الشرطة الذى ينبغى أن يكون محايدا ومستقلاً عن عملية الصراع الحزبى
باعتباره جهازاً قوميا يجب أن يحظى باحترام الجميع وبين ما حدث أخيراً فى امتحانات
الثانوية العامة من تسرب للأسئلة قبل بدء اللجان طالما أن بعض القيادات المحلية
والشعبية الفاسدة تقف وراء الأمرين مما جعلنا لا نندهش كثيرا حين صرح أحدهم بأنه
فعل ذلك حفاظاً على مصلحة ابنته الطالبة مما يعد جرأة بالغة لم تكن لتواتيه لو أنه
أيقن أن اعترافاً كهذا يمكن أن يعرضه للمحاكمة ويقضى على مستقبله السياسى،
متى
إذن تعود للدولة المصرية هيبتها؟ متى تدرك حكومة الحزب الوطنى أنها تعمل عند
الدولة المصرية - دولة كل المصريين مسلمين وأقباط، فقراء وأغنياء، مؤيدين
ومعارضين؟ متى نصبح متساويين أمام القانون من أول رئيس الجمهورية حتى أفقر مواطن
مصرى فى أبعد قرية أو نجع؟
متى
تستقل السلطة السياسية ولو نسبياً عن سلطة رأس المال؟ متى يتمكن رجل الشرطة من أن
يكون مهاباً من الجميع و أن يكون محايدا ويدرك أن دوره هو تطبيق القانون وتمكين
كافة المواطنين من ممارسة حقوقهم السياسية والاقتصادية دون النظر لمواقعهم الطبقية
ومواقفهم السياسية ومعتقداتهم الدينية ؟ متى يرتبط صعوده وترقيته كموظف عام بعدله ونزاهته
وليس بصلاته واتصالاته؟
متى
تصبح أحزابنا حكومة ومعارضة ملكا للشعب المصرى وليست (عزبا خاصة) تنتقل بالتوصية
أو الوراثة لملكية الأبناء أو المقربين؟
أعتقد
أن الإجابة تكمن فى أن ذلك سيحدث فقط عندما تستعيد الدولة المصرية هيبتها ويصبح
لكل مجتهد نصيب ولكل نصّاب عقاب رادع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق