الثلاثاء، مايو ٢٦، ٢٠٢٠

14-3-2009ابني مصطفي ومذكرة اعتقال البشير



ابني مصطفي ومذكرة اعتقال البشير     
                                                                 بقلم /سمير الأمير
لست متأكدا إن كان إعلان ابني مصطفي الاستقلال بإحدي غرف شقتنا الصغيرة ومنع أخته من دخولها له علاقة بأحداث دارفور ومذكرة اعتقال البشير أم أن التزامن هنا مجرد صدفة، كما أني لست واثقاً أيضاً من أن "أهل كفر البدماص" ـ وهو حي شعبي في مدينة المنصورة ـ لن يستغلوا هذا الزخم الدولي حول قرار اعتقال البشير من أجل المطالبة باستقلال حيّهم المحروم من الخدمات والذي يشهد أحداث عنف متفرقة بسبب المنافسة بين بائعي السمك من جانب وبسبب اكتشاف أهالي الحي أن أسعار الخضار تزداد كلما دخل إلي السوق زبائن أثرياء من حي "طوريل" الراقي المقابل للكفر والذي يقطنه الزعيم الليبرالي "أمجد نوح"، ومن قبله القضاة وكبار الموظفين وعدد لا يستهان به من السادة الضباط. وعلي الرغم من تحول الزعيم "الاشتراكي" عوني الشال "زعيم الكفر" إلي الجانب الآخر بعد حصوله علي الجنسية القاهرية وانتقاله للعيش في حي الزمالك فإن الفقراء من أهالي الحي يعتبرون أن الاضطهاد يمارس ضدهم بلا توقف لا لشيء إلا لأنهم كانوا يؤيدون "عوني" في الانتخابات التي دخلها مستقلا بعد فشله في الحصول علي ترشيح الحزب الوطني، الأمر الذي أرجعه بعض المحللين السياسيين المغرضين للون بشرته وأرجعه بعض الأصدقاء الحاقدين لكونه كان عضوا نشطا بحزب يساري وله ملف كبير بأمن الدولة. ولما كانت قضية كفر البدماص وطوريل من القضايا التي تحتاج لجهد باحثين أكاديميين لكي يستطيعوا إثبات العلاقة بين اضطهاد قبائل الجنجويد لأهالي دارفور وبين إصرار أهل "طوريل" علي التسوق من سوق الكفر، الأمر الذي يترتب عليه شعور المواطن "البدماصي" البسيط بعدم القدرة علي منافسة الأغنياء، لما كان ذلك يحتاج لجهد مؤسسي لا أقدر عليه فسوف أحاول هنا أن أركز علي العلاقة بين الحركة المفاجئة التي قام بها "الواد مصطفي" ابني لكي يستقل بغرفة كاملة من غرفتي الشقة وبين حركة "العدل والمساواة" التي نجحت في حصار نظام الخرطوم.
في البداية افتعل مصطفي أزمة مع أخته بسبب أحقية الدخول علي شبكة الانترنت وضربها علقه سخنة" متجاهلاً سلطتي الشرعية كقائد مركزي للأسرة، وحين عدت من العمل طلب مني تأديب أخته التي يري أنني أدعمها بلا حدود وأسمح لها بما لا أسمح به، لا له و لا للسيدة أمه، المدعومة من قِبل المجلس القومي للمرأة، وذلك يرجع ـ حسب ادعائه ـ لكون البنت تشبهني وهذا في تقديره يشكل انحيازا صارخا وانتهاكا للمساواة وحقوق المواطنة الأسرية، "لا حظ هنا عزيزي القاريء" العلاقة بين دعمي للبنت ودعم البشير للجنجويد، المهم حاولت التوسط بين الولد وأخته بعد توجيه انتقاد شديد اللهجة للولد لأنه ضربها قبل عودتي للمنزل ومن ثم سقط حقه في استصدار أي قرار من جانبي حيث وجدت في تصرفه تجاهلا صارخا للشرعية الأبوية التي كان يجب أن تردعه عن استخدام العنف معها، انتظارا لوصولي من العمل. وبناء علي دراسة طبيعة الصراع وجدت أن إلغاء وصلة النت من الأساس يضمن نزع السبب الرئيس للصراع كما يضمن عدم تدخل أطراف دولية في النزاع، حيث لكليهما أصدقاء، في أوروبا وربما أيضا في "إسرائيل"، وهذا أيضاً يشبه ما فعله البشير حين رفض تدويل الصراع وأصر علي بقائه في الإطار الأفريقي، وهو علي وجه التحديد ما فعلته حين استعنت بحماتي التي جاءت وأقامت في الصالة ولم تفلح في جعل الولد يتراجع عن مشروعه الانفصالي رغم أن الشقة الصغيرة لا تحتمل أن ينفرد كل واحد منا بجزء، لا سيما ونحن نضع الغسالة الأوتوماتيكية والكمبيوتر في غرفته نظرا لضيق المطبخ والحمام والصالة وأيضا لضيق ذات اليد.
وبعد ذلك حاولت استخدام فكرة الحصار الاقتصادي لجعله يتراجع عن موقفه وهددت بمنع المصروف والدروس الخاصة إذا لم يدرك أن شقتنا هي وطن واحد لا يحتمل التقسيم، ففوجئت بتمرده وبخروجه عن الأطر الشرعية، وبأنه يعاملني كسلطة احتلال، ويهدد بالمقاومة المسلحة، وبعدها عرفت أن مؤامرة كانت قد تمت بدعم من أطراف خارجية وأن أمه أعلنت هي الأخري انحيازها التام له وتحويل مرتبها الذي كان يساهم في دعم الميزانية العامة للأسرة لصالحه، وانتهي الحال إلي قرار تقسيم الشقة الذي وضعنا أنا والبنت والأم في الغرفة الصغيرة، وحصوله وحده علي  الغرفة الكبيرة، وحين اعترضت علي القسمة الظالمة وحاولت أن أقنع أمه بالإقامة في غرفته "رد بأن وجودها ضرورة أمنية" حتي يعلم بتحركاتنا أولا بأول باعتباره لم يعد يثق في عدالة تصرفاتي، تماما كما لم يعد متمردو دارفور يثقون في عدالة نظام البشير!

ليست هناك تعليقات: