الأحد، مايو ١٧، ٢٠٢٠

مقالات ما قبل 25 يناير - سنوات مبارك الأخيرة11-12-2008



وحدة اليسار مستحيلة دون نفض الأوراق الذابلة
                                                                         بقلم/ سمير الأمير
فى تقديرى أن وحدة اليسار المصرى أصبحت الآن ضرورة موضوعية لثلاثة أسباب أساسية، الأول هو تراجع حركة اليسار في مقابل زيادة نفوذ الإخوان المسلمين والسبب الثانى هو غياب البديل الاشتراكى عن لغة الخطاب اليسارى وكأن كلمة اشتراكية أصبحت من مخلفات الحرب الباردة ولا أظن كما يذهب البعض أن تراجع النفوذ الجماهيرى لليسار المصرى يرتبط مباشرة بسقوط الاتحاد السوفيتى، فحركة اليسار في أمريكا اللاتينية آخذة في التصاعد وهو ما يثبت أن دور اليسار يرتبط بقدرته على الارتباط بالقضايا الجماهيرية في الداخل و أظن أيضا أن هذا التراجع ليس نتيجة لتعاظم نفوذ الإسلام السياسى بل يتراءى لى أنه سبب أساسى له، والسبب الثالث لأهمية وحدة اليسار هو كثرة الانشقاقات في صفوف الحركة اليسارية التى لا تعبر عن تعدد الرؤى بقدر تعبيرها عن الرغبة في الزعامة واعتلاء المنصات انتقاما من حالة التهميش التى عانى منها بعض كوادر اليسار داخل حزب التجمع واستثمارا للمناخ السياسى العام الذى فرضه النظام على الأحزاب والذى يدعم تلك الصراعات لأهداف لا تخفى على أحد وقد أدى استمراء هذه الحالة إلى ظاهرة المناضل النجم، وأعتقد أن قدرا كبيرا من انحسار دور اليسار في المجتمع المصرى يرجع لهؤلاء الذين تحولوا من مناضلين إلى نجوم في البرامج التلفزيونية، الأمر الذى أظهرهم كشخصيات بائسة وكأنك أتيت بجائع وأدخلته على مائدة عامرة بصنوف الطعام فراح يتصرف وكأنها مسألة عادية بينما هو في الحقيقة يجاهد لعابه خوفاً من أن يسيل قبل أن يشرع بقية المدعوين في تناول وجبتهم التى صنعت من لحم  المصريين الفقراء، ومن ثم أصبح هؤلاء عارا على اليسار لأنهم تسببوا في تشويه صورة الاشتراكيين الحقيقيين الذين تم إقصاؤهم عمدا من قبل الأخوة المعتمدين رسمياً ولذا لا تتم دعوتهم لا لندوة ولا لمؤتمر ينظمه حاملو" أختام اليسار" خوفا من انكشاف زيفهم وافتضاح لعبتهم إذ لا يزال حاملو الأختام اليسارية سادرين في غيهم ومعتقدين أن وجوههم المزدوجة قادرة على الاستمرار في ممارسة الخداع، بينما يعلم العمال والفلاحون- الذين يخوضون إضرابا تهم واحتجاجاتهم عارين من أى تغطية من قبل هؤلاء- أن لعبتهم لم تعد تنطلى على أحد ولكن الكارثة الأكبر هى قدرتهم على الاستمرار في ازدواجيتهم، إذ بينما يسعون إلى تنمية ذواتهم يطلبون منا ألا نغير نظرتنا لهم ( كمناضلين!)، بل يحملون علينا   لرفضنا الانصياع لتحليلاتهم التى كرست للتنازل عن تاريخ الحركة الاشتراكية فيتهموننا بالجمود وبعدم القدرة على استيعاب المتغيرات الدولية بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتى،  مع العلم أن هؤلاء كانوا أول المستفيدين من وجود الاتحاد السوفيتى على المستوى الشخصى ولم يسمحوا لأحد بانتقاد مواقفه من القضايا العربية آنذاك،  وأذكر أننى في إحدى الندوات استهجنت الموقف السوفيتى الصامت حيال الحشود الأمريكية في الخليج فأوقفنى المحاضر صارخاً " هل تظن أن دولة عظمى يمكن أن تفرط في أمنها القومى" فقلت له " نعم أظن ذلك" فراح يسخر من موقفى أمام الحاضرين، وبعد سقوط الاتحاد السوفيتى دعيت إلى ندوة لنفس القيادى البارز وحين ذكرته بموقفى راح ينتقد منظمى الندوة بقوله " هل دعوتمونا لتحاسبوننا على آراء مضى عليها سنوات؟" فطلب منى الأصدقاء أن أتوقف عن الكلام فامتثلت لكى يكمل المحاضر ندوته متنازلا عن رغبتى الطفولية في ادعاء أنى تنبأت بسقوط الاتحاد السوفيتى، هذا السقوط الذى كشف عن حقيقة أن بعض اليساريين المصريين كانوا( (Pro-Sovietإلى حد بعيد وأذكر في هذا السياق أنى كنت قد أرسلت ترجمة لإحدى المطبوعات اليسارية بعنوان " دحض الواقعية الاشتراكية" فنشرت بعنوان " واقعية اشتراكية جديدة مع البرستوريكا!" وكان واضحاً أن السوفيت لو دخلوا جحر ضب لدخل بعض اليساريين المصريين خلفهم دون أدنى تفكير!
 إن الدعوة لوحدة اليسار المصرى لن تتجاوز كونها فرصة للقاء بين أصدقاء يتبادلون فيها كلمات الود أو الاتهامات إن هى تجاهلت ضرورة ممارسة النقد الذاتى والاعتراف الطوعى بالأخطاء الجسيمة حيال مواقف بعينها تسببت في تراجع دور اليسار في المجتمع المصرى وأول هذه المواقف هى تلك الميوعة التى تعاملت بها بعض فصائل اليسار مع قضايا مفصلية مصرية مثل " الانتخابات" و"قانون العلاقة بين المالك والمستأجر"و " الخصخصة" والتعليم والبطالة و قضايا عربية مثل " احتلال العراق" والمقاومة اللبنانية و" حصار غزة"، ولنأخذ على سبيل المثال موقف إحدى الصحف اليسارية من الحكومة العراقية تلك الحكومة التى لم تتوقف يوما عن المجاهرة بعمالتها للاحتلال الأمريكى ودعم مليشيات التطهير العرقى ضد من يثبت انتماؤه للعروبة، وممارسة عمليات الإبادة الجماعية ضد السوريين والفلسطينيين والمصريين في العراق بدعوى أنهم كانوا عملاء لصدام، فقد ورد في تلك الصحيفة ما يستوجب الاعتذار للشعب المصرى ولتاريخ كفاحه ضد الاستعمار وما يستوجب مراجعة هؤلاء الذين نشروا موضوعات تمجد " جلال طلبانى ومسعود البرزانى" مما أثار كثيرا من الاستياء في أوساط المثقفين وساهم في إضعاف وتشويه صورة اليسار ومصداقيته لدى المواطنين، فهل يدرك اليساريون حاجة الوطن لوحدتهم التى أصبحت ضرورة ملحة لمواجهة شراسة تحالف الاحتكاريين والإقطاع العائد؟ وهل أنا بحاجة لأن أكرر أن وحدة اليسار ينبغى أن تنفض عنها اليسار البرجماتى ومناضلى الترانزيت وحاملى جوازات السفر وكل الأوراق الذابلة؟.
11-12-2008

ليست هناك تعليقات: