الثلاثاء، مايو ٢٦، ٢٠٢٠

26-9-2008فيصل القاسم .. بعيدا عن الاتجاه المعاكس



فيصل القاسم .. بعيدا عن الاتجاه المعاكس
                                                                                        بقلم/ سمير الأمير

على الرغم من أن طريقة فيصل القاسم فى إدارة الحوار فى برنامجه" الاتجاه المعاكس" لا تروق لى مطلقا، إذ يبدو لى أن الحوار الذى يديره ليس حوارا على الإطلاق ولا يهدف سوى للوصول لنتيجة واحدة مفادها أنه لا يمكن لاثنين من أمة العرب أن ينحيا خلافاتهما الثانوية جانبا ويتفقا على شيء مشترك،  بل أن برنامجه كثيرا ما تسبب فى إصابتى بحالات من اليأس والإحباط من كل شىء نتيجة متابعتى لمناقشاته أو إن شئت الدقة "خناقاته" ولا سيما أن معظم حلقات برنامجه تنتهى إلى نتيجة واحده هى التأكيد على تعصب وعصبية كافة ممثلى الاتجاهات الفكرية وكأن الهدف من البرنامج هو تعميق الخلافات من ناحية وإيصال رسالة للمشاهد العربى مضمونها أن كل هؤلاء الفرقاء لا يصلحون لقيادة الأمة وبالتالى على الشعب العربى المسكين أن يتمسك بالوضع الراهن ويعض عليه بالنواجذ لأن كافة المدارس الفكرية المعارضة- كما يظهرها البرنامج- تشكل خطرا على حرية المواطن وأمنه وكرامته!!، ومن ثم توقفت عن متابعة البرنامج احتفاظا بما لدى من بقية أمل فى أن ندرك ذات يوم كعرب أن التنوع والاختلاف يجب أن يشكلا ثراء فى الفكر العربى كما هو حاصل فى المجتمعات الأوربية التى تفتخر بمنجزات مفكريها بمن فيهم المعروفون بعدائهم الشديد للرأسمالية، أقول على الرغم من كل هذا، إلا أن مقال الدكتور فيصل القاسم الأخير بعنوان"كي لا يخدعوكم بالخطر الشيعي كما خدعوكم بالشيوعية"- والذى احتفت به معظم المواقع والمنتديات الفكرية العربية على شبكة الانترنت – هذا المقال يعد فى تقديرى من أهم ما كتب فيصل القاسم من حيث المحتوى أو من حيث أهمية وخطورة الرسالة التحذيرية التى يرغب فيصل فى إيصالها للقارىء العربى، فهو يبدأ مقاله بأطروحات مهمة من بينها اعتقاده أن "التشيع" أصبح شماعة يعلق عليها العرب أخطاءهم وتخاذلهم أمام المشروع الصهيونى الأمريكى فى المنطقة ومن ثم يخلص إلى نتيجة أن العرب ولا سيما الإسلاميون كانوا دائما أداة للسياسة الأمريكية فى المنطقة، ويذكرنا فيصل القاسم بتحالفهم مع الولايات المتحدة ضد الشيوعية فى أفغانستان الذى مثل من وجهة نظره خيبة كبيرة إذ كتب فيصل فى مقاله يقول" بالأمس القريب تنادى الإسلاميون من كل بقاع الأرض، وشدوا الرحال إلى أفغانستان استجابة لنداء «الجهاد» الذي أطلقه الأمريكيون وبعض الاستخبارات العربية لمحاربة السوفيت، مع العلم أن فلسطين كانت على مرمى حجر منهم، لكنهم فضلوا «الجهاد» في بلاد خوراسان لتصبح كابول المنسية، بقدرة قادر، مربط خيلهم!" وهنا يتفق فيصل القاسم مع وجهة نظر معظم اليساريين العرب الذين بحت أصواتهم فى حينه تحذيرا لهؤلاء الإسلاميين من الانجرار لمعركة تخوضها أمريكيا من أجل حصار الاتحاد السوفيتى لضمان السيطرة على النفط وليتسنى لها القضاء على بقية النظم القومية العربية التى شكلت تهديدا للوجود الأمريكى فى المنطقة وللمشروع التوسعى الصهيونى نظراً لتبنيها خطاً تنمويا شبه مستقل ونظراً لتحالفها مع دول المنظومة الاشتراكية فى مرحلة الحرب الباردة، ويستطرد فيصل القاسم فى مقاله الرائع متهكماً "كيف لا وقد زين لهم الأمريكيون وأعوانهم روعة الكفاح ضد «الكفار الروس»، وجمعوا لهم المليارات من الخزائن العربية السخية كي يطهرّوا أفغانستان من الرجس السوفيتي بحوالي اثنين وثلاثين مليار دولار" ثم يتحسر فيصل على أيام الاتحاد السوفيتى قائلاً بكل وضوح " آه ما أجمل أيام السوفيت! آه ما أجمل أيام الردع المتبادل! آه كم كان خوروتشوف رائعاً عندما حمل حذاءه وراح يدق به منصة الأمم المتحدة بكل عزة وكبرياء!"
فهل يدرك الإسلاميون بافتراض أنهم حسنى النية وهو افتراض لا ترجحه مواقفهم ضد مواطنيهم فى البلاد العربية والإسلامية على الإطلاق، هل يدرك هؤلاء أن الولايات المتحدة تعيد إنتاج نفس المسرحية تقريبا  باستخدام نفس  الممثلين ولكن بتعديل طفيف فى النص وذلك باستبدال مقولة " الخطر الشيوعى الكافر على الإسلام" بمقولة جديدة هى" الخطر الشيعى على الوجود السنى فى المنطقة"؟   وهل  يعى هؤلاء المتعصبون أن الهدف ليس سوى تفكيك المجتمعات العربية إلى عناصرها الأولية عبر إذكاء الصراع الطائفى لتتمكن إسرائيل من أن تصبح وحدها  الدولة المتجانسة الكبيرة فى المنطقة؟
 فى اعتقادى أن المرحلة القادمة ربما تشهد نوعاً من عودة الوعى ولكن ذلك سيكون مشروطاً بإدراك أن قيمة الوطن والمواطنة هى العروة الوثقى التى لا انفصام لها و التى يجب على الجميع أن يستمسك بها، إذ بدون ذلك لا أظن أنه سيكتب لنا النجاة سواء كنا سنة أو شيعة أو قوميين أو اشتراكيين أو ليبراليين لأن كل مفردة مما سبق ذكره هى مجرد مجموعة إطروحات فى أدمغة المفكرين والنخب و لن تكتسب تلك الأطروحات معناها الحقيقى إلا فى جملة كبيرة أسماها الأستاذ صلاح عيسى ذات مرة " المشترك العام" ذلك" المشترك" الذى يجعلنا ندرك وحدة الهدف ووحدة المصير ومن ثم وحدة النضال المشترك ضد المشروع الأمريكى،
 فتحية للدكتور فيصل القاسم على مقاله الجميل الذى أتمنى أن يتمسك هو به ومن ثم يعيد تسمية برنامجه الشهير لأنه لا يصح أبداً أن يكون تنوع أفكارنا وتعدد وجهات نظرنا مبررا لسيرنا فى " اتجاهات متعاكسة" !

ليست هناك تعليقات: